يسموا ورّاثا دون من عداهم ممن يرث مالا فانيا أو متاعا قليلا أو ممن يدخل الجنة سواهم كالاطفال والمجانين والفساق بعد العفو وكالولدان والحور. ثم بين الموروث بقوله الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ وقد سبق معنى هذه الوراثة في «الأعراف» في قوله وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها [الأعراف: ٤٣] قال الفقهاء: لا فرق في الميراث بين ما ملكه الميت وبين ما يقدر ملكه فيه ولذلك قالوا للدية إنها ميراث المقتول. وكل من في الجنة فله مسكن مفروض في النار على تقدير كفره، وكل من في النار فله مسكن مفروض في الجنة على تقدير إيمانه كما ورد في الحديث، فإذا تبادل المسكنان كان جميع أهل الجنة وارثين، ولكن كل الفردوس لا يكون ميراثا بل بعضه ميراث وبعضه بالاستحقاق إلا أنه يصدق بالجملة أنهم ورثوا الفردوس أي الجنة ولهذا أنث الضمير في قوله هُمْ فِيها خالِدُونَ وقيل: إن الجنة كانت مسكن أبينا آدم عليه السلام فإذا انتقلت إلى أولاده كان شبيها بالميراث. والفردوس بلسان الحبشة أو الروم هو البستان الواسع الجامع لأصناف الثمر. روي أن الله عز وجل بنى جنة الفردوس لبنة من ذهب ولبنة من فضة وجعل خلالها المسك الأذفر.
وروى أبو موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «الفردوس مقصورة الرحمن فيها الأنهار والأشجار»
وعن أبي أمامة مرفوعا «سلوا الله الفردوس فإنها أعلى الجنان وإن أهل الفردوس يسمعون أطيط العرش»
ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «لما خلق الله تعالى جنة عدن قال لها: تكلمي.
فقالت: قد أفلح المؤمنون»
ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «إذا أحسن العبد الوضوء وصلى الصلاة لوقتها وحافظ على ركوعها وسجودها ومواقيتها قالت: حفظك الله كما حافظت علي وتشفع لصاحبها. فإذا أضاعها قالت: ضيعك الله كما ضيعتني وتلف كما يلف الثوب ويضرب بها على وجه صاحبها»
قالت العلماء: أما كلام الجنة فالمراد به أنها أعدت للمتقين كقوله قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ [فصلت: ١١] وكذا الكلام في كلام «طوبى» . وأما أنه تعالى خلق الجنة بيده فالمراد تولى خلقها وإيجادها من غير واسطة. وأما حديث الصلاة فلا ريب أنها حركات وسكنات ولا يصح عليها التكلم فالمراد به ضرب المثل كقولك للمنعم عليك «إن إحسانك إليّ ينطق بالشكر» .
ولما حث عباده على العبادات ووعدهم الفردوس على مواظبتها عاد إلى تقرير المبدأ والمعاد ليتمكن ذلك في نفوس المكلفين وهو ثلاثة أنواع: الأول الاستدلال بأطوار خلق الإنسان والسلالة الخلاصة لأنها تسل من بين الكدر وهذا البناء للقلة ولما يسقط عن الشيء كالقلامة. قال ابن عباس وعكرمة وقتادة ومقاتل: المراد آدم لأنه استل من الطين، والكناية في جَعَلْناهُ راجعة إلى الإنسان الذي هو ولد آدم أي جعلنا جوهره نطفة وقال آخرون: