للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهي قوله وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً لعلو شأنهم ووفور علمهم وكمال قوتهم. وقد حكى هذه الشبهة عن أقوام آخرين في «حم السجدة» قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً [فصلت:

١٤] خص هذه السورة باسم الله على الأصل ولتقدم ذكر الله وخص تلك السورة باسم الرب لتقدم ذكر الرب في قوله ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ [فصلت: ٩] وهم من جملة العالمين قالوه إما اعتقادا وإما استهزاء. الشبهة الرابعة الاعتصام بحبل التقليد ما سَمِعْنا بِهذا أي بمثل هذا الكلام أو بمثل هذا المدعي فيجوز أن يكونوا صادقين في ذلك للفطرة المتداولة، ويجوز أن يكونوا تجاهلوا وتكذبوا لانهماكهم في الغي وتشمرهم لدفع الحق وإفحام النبي صلى الله عليه وسلم بأيّ وجه يمكنهم يؤيده الشبهة الخامسة وهي نسبتهم إياه إلى الجنون مع علمهم ظاهرا بأنه أرجح الناس عقلا ورزانة. قال جار الله: الجنة الجنون أو الجن أي به جن يخبلونه، وهذا بناء على زعم العوام أن المجنون ضر به الجن. ثم رتبوا على هذه الشبهة قولهم فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ أي اصبروا عليه إلى أن ينكشف جنونه ويفيق أو إلى أن يموت أو يقتل. وهذه الشبهة من باب الترويج على العوام فإنه عليه السلام كان يفعل أفعالا على خلاف عاداتهم. وكان رؤساؤهم يقولون للعوام: إنه مجنون لينفروهم عنه وليلبسوا عليهم أمره. ويحتمل أن يكون هذا كلاما مستأنفا وهو أن يقولوا لقومهم اصبروا فإنه إن كان نبيا حقا فالله ينصره ويقوّي أمره فنحن حينئذ نتبعه، وإن كان كاذبا فالله يخذله ويبطل أمره فحينئذ نستريح منه. واعلم أنه سبحانه لم يذكر جواب شبهاتهم لركاكتها ولأنه قد علم في هذا الكتاب الكريم أجوبتها غير مرة وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا [الأنعام: ٩] قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا [الإسراء: ٩٥] أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ [القصص: ٦٦] أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ [البقرة: ١٧٠] وإذا بطل طريقة التقليد صار حديث التربص ضائعا يجب قبول قول من يدعي النبوّة بعد ظهور المعجزة من غير توقف. ثم حكى أن نوحا عليه السلام لما علم إصرارهم على الكفر قالَ رَبِّ انْصُرْنِي أي أهلكهم بسبب تكذيبهم إياي ففي نصرته إهلاكهم، أو انصرني بدل تكذيبهم إياي كقولك «هذا بذاك» والمراد بدلني من غم التكذيب سلوة النصرة أو انصرني بإنجاز ما كذبوني فيه وهو وعد العذاب في قوله إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [الأعراف: ٥٩] وباقي القصة إلى قوله إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ قد مر تفسير مثلها في سورة هود.

ومعنى فَاسْلُكْ أدخل فيها وقد مر في أول الحجر في قوله كَذلِكَ نَسْلُكُهُ [الآية: ١٢] وسَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ نقيض سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى [الأنبياء: ١٠١] لأن «على»

<<  <  ج: ص:  >  >>