للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي إنكم إذا قبلتم قول مثلكم وأطعتموه خسرتم عقولكم وأبطلتم آراءكم إذ لا ترجيح لبعض البشر على بعض في معنى الدعوة إلى طريق مخصوص هذا بيان كفرهم. ثم بين تكذيبهم بلقاء الآخرة وطعنهم في الحشر بقوله أَيَعِدُكُمْ الآية. قال جار الله: ثني «أنكم» للتوكيد وحسن ذلك الفصل بالظرف ومُخْرَجُونَ خبر الأول أو أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ مبتدأ معناه إخراجكم وخبره إِذا مِتُّمْ والجملة خبر الأول أو أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ في تقدير وقع إخراجكم وهذه الجملة الفعلية جواب «إذا» والجملة الشرطية خبر الأول وفي حرف ابن مسعود أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ ثم أكدوا الاستفهام الإنكاري بقولهم هَيْهاتَ ومعناه بعد وهو اسم هذا الفعل، وفي التكرير تأكيد آخر وكذا في إضمار الفاعل وتبيينه بقوله لِما تُوعَدُونَ قال جار الله: اللام لبيان المستبعد ما هو بعد التصويت بكلمة الاستبعاد كما جاءت اللام في هَيْتَ لَكَ [يوسف: ٢٣] لبيان المهيت به. وقال الزجاج: هو في تقدير المصدر أي البعد لما توعدون أو بعد لما توعدون فيمن نون. ثم بين إترافهم بأنهم قالوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا أي إلا هذه الحياة لأن «إن» النافية دخلت على «هي» العائدة إلى الحقيقة الذهنية فنفت ما بعدها نفي الجنس، وقد مر في «الأنعام» . وإنما زيد في هذه السورة قوله نَمُوتُ وَنَحْيا لأن هذه الزيادة لعلها وقعت في كلام هؤلاء دون كلام أولئك ولم يريدوا بهذا الكلام أنفس المتكلمين وحدهم بل أرادوا أنه يموت بعض ويولد بعض وينقرض قرن ويأتي قرن آخر، ولو أنهم اعتقدوا أنهم يحيون بعد الموت لم يتوجه عليهم ذم ولناقضه قولهم وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ. ثم حكى أنهم زعموا أن كل ما يدعيه هود من الاستنباء وحديث البعث وغيره افتراء على الله وأنهم لا يصدقونه البتة فلا جرم قالَ هو داعيا عليهم كما دعا نوح على قومه رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ قال الله مجيبا له أي عما زمان قليل قصير لَيُصْبِحُنَّ جعل صيرورتهم نادِمِينَ دليلا على إهلاكهم لأنه علم أنهم لا يندمون إلا عند ظهور سلطان العذاب ووقوع أماراته وذلك وقت إيمان اليأس. وزيادة «ما» لتوكيد قصر المدة والصَّيْحَةُ صيحة جبريل كما سلف في الأعراف وفي «هود» ومعنى بِالْحَقِّ بالعدل كقولك «فلان يقضي بالحق» وعلى أصول الاعتزال بالوجوب لأنهم قد استوجبوا الهلاك. والغثاء حميل السيل مما بلي واسودّ من الأوراق والعيدان وغيرها، شبههم بذلك في دمارهم أو في احتقارهم أو في قلة الاعتناء بهم، وفي ضمن ذلك تشبيه استيلاء العذاب عليهم باستيلاء

السيل على الغثاء يقلبه كيف يشاء. ثم دعا عليهم بالهلاك في الدارين بقوله فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ كما مر في سورة هود. وفيه وضع الظاهر موضع المضمر تسجيلا عليهم بالظلم وعرف الظالمين لكونهم مذكورين صريحا بخلاف ما يجيء من قوله فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ لأنهم غير مذكورين إلا بطريق الإجمال وذلك قوله ثُمَّ أَنْشَأْنا

<<  <  ج: ص:  >  >>