للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عامِلُونَ

وهي النوافل السرية والأعمال القلبية. ثم إنه رجع إلى وصف الكفار بقوله حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ وهو عذاب الآخرة أو قتلهم يوم بدر أو الجوع حين

دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسنيّ يوسف.

فابتلاهم الله بالقحط حتى أكلوا الجيف والكلاب والعظام المحترقة والقدّ والأولاد. والجؤار الصراخ باستغاثة. ثم أخبر أنه يقال لهم حينئذ على جهة التبكيت لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ لا تغاثون من جهتنا أو لا تمنعون منا، ثم عدد عليهم التوبيخ بمقابحهم.

ومعنى النكوص على العقبين التباعد عن الحق والتجافي عنه كمن رجع على ورائه وقد مر في «الأنعام» .

وفي مرجع الضمير في بِهِ أقوال: أحدها أنه للبيت العتيق أو للحرم. والذي سوّغ هذا الإضمار شهرتهم بالاستكبار بالبيت والتفاخر بولايته والقيام به وكانوا يقولون لا يظهر علينا أحد لأنا أهل الحرم. وثانيها مستكبرين بهذا التراجع والتباعد. وثالثها مستكبرين بالقرآن على تضمين الاستكبار معنى التكذيب، أو على أن الباء للسببية لأن سماع القرآن كان يحدث لهم استكبارا وعتوّا. ورابعها أنه يتعلق ب سامِراً أو ب تَهْجُرُونَ والهجر بالضم الفحش وبالفتح الهذيان، وأهجر في منطقه إذا أفحش. والضمير للقرآن أو للنبي أي تسمرون بذكر القرآن وبالطعن فيه أو في النبي، وكانت عامة سمرهم حول البيت ذكر القرآن وتسميته سحرا وشعرا وسب رسول الله صلى الله عليه وسلم والسامر نحو الحاضر في الإطلاق على الجمع.

ثم بين أن سبب إقدامهم على الكفر أحد أمور أربعة: الأوّل عدم التدبر في القرآن لأنهم إن تدبروه وتأملوا مبانيه ومعانيه ظهر لهم صدقه وإعجازه فيصدقوا به وبمن جاء به. الثاني قوله أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ والمراد أمر الرسالة. ثم المقصود تقرير أنه لم يأت آباءهم الأقربين رسول كقوله لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ [يس: ٦] فلذلك أنكروه واستبعدوه، أو تقرير أنه أتى آباءهم الأقدمين رسل وذلك أنهم عرفوا بالتواتر أن رسل الله فيهم كثيرة وكانت الأمم بين مصدق ناج وبين مكذب هالك بعذاب الاستئصال، فما دعاهم ذلك إلى تصديق هذا الرسول وآباؤهم إسماعيل وأعقابه من عدنان وقحطان. وقيل: أراد أفلم يدبروا القرآن فيخافوا عند تدبر آياته وأقاصيصه مثل ما نزل بمن قبلهم من المكذبين، أم جاءهم من الأمن ما لم يأت آباءهم حين خافوا الله فآمنوا به وبكتبه ورسله وأطاعوه؟

عن النبي صلى الله عليه وسلم «لا تسبوا مضر ولا ربيعة فإنهما كانا مسلمين ولا تسبوا قسا فإنه كان مسلما ولا تسبوا الحرث بن كعب ولا أسد بن خزيمة ولا تميم بن مر فإنهم كانوا على الإسلام وما

<<  <  ج: ص:  >  >>