للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليها. قال: أتحب أن تراها عريانة؟ قال الرجل: لا. قال: فأستأذن.

قال العلماء: إن كان المنع من الهجوم على الغير لأجل أنه لا يراه منكشف الأعضاء فتستثنى منه الزوجة وملك اليمين، وإن كان لأجل أنه لا يراه مشغولا بما يكره الاطلاع عليه فالمنع عام إلا إذا عرض ما يبيح هتك الستر كحريق أو هجوم سارق أو ظهور منكر يجب إنكاره. التاسع: ما حكم من اطلع على دار غيره بغير إذنه؟ الجواب: قال الشافعي: لو فقأ عينه فهي هدر وتمسك بما

روى سهل بن سعد أنه اطلع رجل في حجرة من حجر النبي صلى الله عليه وسلم ومع النبي مدرى يحك بها رأسه فقال: لو علمت أنك تنظر إلي لطعنت بها في عينك، إنما الاستئذان من النظر.

وعن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: «من اطلع في دار قوم بغير إذنهم ففقؤا عينه فقد هدرت عينه» «١»

قال أبو بكر الرازي: هذا الخبر مردود لوروده على خلاف الأصول، فلا خلاف أنه لو دخل داره بغير إذنه ففقأ عينه ضامنا وعليه القصاص إن كان عامدا، ومعلوم أن الداخل قد اطلع وزاد على الاطلاع. فمعنى الحديث لو صح أنه من اطلع في دار قوم ونظر إلى حرمهم ونسائهم ثم منع فلم يمتنع فذهبت عينه في حال الممانعة فهي هدر، وأجيب بالفرق فإنه إذا علم القوم دخوله عليهم احترزوا عنه وتستروا فأما إذا نظر على حين غفلة منهم اطلع على ما لا يراد الاطلاع عليه فلا يبعد في حكمة الشرع أن يبالغ هاهنا في الزجر حسما لمادة هذه المفسدة. جميع هذه الأحكام فيما إذا كانت الدار مسكونة فإن لم تكن مسكونة فذلك قوله لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ الآية.

وللمفسرين فيه أقوال: الأول: قول محمد بن الحنفية أنها الخانات والرباطات وحوانيت البياعين والمتاع المنفعة كالاستكنان من الحر والبرد وإيواء الرجال والسلع والبيع والشراء.

يروى أن أبا بكر قال: يا رسول الله، إن الله قد أنزل عليك آية في الاستئذان وإنا نختلف في تجاراتنا فننزل هذه الخانات أفلا ندخلها إلا بإذن فنزلت.

وقيل: هي الخربات يتبرز فيها والمتاع التبرز. وقيل: الأسواق. والأولى العموم. وإنما لم يحتج إلى الإذن دفعا للحرج، ولأنها مأذون في دخولها من جهة العرف. ثم ختم الآية بوعيد مثل ما تقدم الحكم الخامس، غض البصر وحفظ الفرج عما لا يحل. وتخصيص المؤمنين بهذا التكليف عند من لا يجعل الكفار مكلفين بفروع الإسلام ظاهر، وأما عند من يجعلهم مكلفين بالفروع أيضا فالتخصيص للتشريف، أو نزل فقدان مقدمة التكليف منزلة فقدان التكليف وإن كان حالهم في الحقيقة كحال المؤمنين في استحقاق العقاب على تركها. قال أكثر النحويين:


(١) رواه مسلم في كتاب الآداب حديث ٤٣- ٤٤. أبو داود في كتاب الآداب باب ١٢٧. النسائي في كتاب القسامة باب ٤٨. الدارمي في كتاب الديات باب ٢٣. أحمد في مسنده (٢/ ٢٤٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>