كالفهد. ومنه ما لا يأنس كالنمر أو يبطىء استئناسه كالأسد. ومن الحيوان ما لا صوت له ومنه ما له صوت، وكل مصوت فإنه يصير عند الاغتلام وحركة شهوة الجماع أشد تصويتا حتى الإنسان. ومنه ما له شبق يسفد كل وقت كالديك، ومنه عفيف له وقت معين، ومنه ولود ومنه بيوض، وكل ولود أذون، وكل صموخ بيوض سوى الخفاش. ومنه هادىء الطبع قليل الغضب كالبقر، ومنه شديد الجهل حال الغضب كالخنزير البري ومنه حليم حمول كالإبل، ومنه محتال مكار كالثعلب، ومنه غضوب سفيه إلا أنه قلق متردد كالكلب، ومنه شديد الكيس مستأنس كالقرد والفيل، ومنه حسود تياه كالطاوس، ومنه شديد الحفظ كالجمل والحمار لا ينسى الطريق الذي رآه. وفي قوله إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ إشارة إلى أن اختصاص كل حيوان بهذه الخواص وبأمثالها لا يكون إلا عن فاعل مختار قدير قهار.
وحين فرغ من إثبات هذه الدلائل أراد أن يبين أحوال المكلفين وأن فيهم منافقين فقدم لذلك مقدمة وهي قوله لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ وإنما فقد العاطف هاهنا بخلاف قوله وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَمَثَلًا [النور: ٣٤] لأن المقصود هناك هو ما سبق من التكاليف والمواعظ، والغرض هاهنا توطئة مقدمة لما يجيء عقيبه من حال أهل النفاق والوفاق. وقوله وَما أُولئِكَ إشارة إلى الفريق المتولي. وإنما قال بِالْمُؤْمِنِينَ معرّفا لأنه أراد أنهم ليسوا بالذين عرفت صحة إيمانهم لثباتهم واستقامتهم. ويحتمل أن يكون أُولئِكَ إشارة إلى جميع القائلين آمنا وأطعنا وحينئذ يكون قوله ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ حكما على بعض دفعا للإلزام والنقض، فإن الحكم الكلي قلما يخلو عن منع ولمثل هذا قال في الآية الثانية إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ والحاصل أنه حكم أولا على بعضهم بالتولي ثم صرح آخرا بأن الإيمان منتف عن جميعهم. ويجوز أن يراد بالفريق المتولي رؤساء النفاق.
وقيل: أراد بتولي هذا الفريق رجوعهم إلى الباقين. قال جار الله: معنى إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كقولك «أعجبني زيد وكرمه» . أما سبب نزول الآية. فعن مقاتل أنها في بشر من المنافقين كما سبق في سورة النساء في قوله يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ [النساء: ٦٠]
وعن الضحاك: نزلت في المغيرة بن وائل كان بينه وبين علي بن أبي طالب أرض فتقاسما فدفع إلى علي منها ما لا يصيبه الماء إلا بمشقة. فقال المغيرة: بعني أرضك فباعها منه وتقابضا. فقيل للمغيرة: أخذت سبخة لا ينالها الماء. فقال لعلي: اقبض أرضك فأبى ودعا المغيرة إلى محاكمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال المغيرة: أما محمد فلست آتيه ولا أحاكم إليه فإنه يبغضني وأنا أخاف أن يحيف عليّ.
قوله يَأْتُوا إِلَيْهِ الجار صلة اتى فإنه قد يعدّى