للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي كتبتم حتى لا يميز بينهما. وإما للاستعانة كما في «كتبت بالقلم» فالمعنى: ولا تجعلوا الحق ملتبسا بباطلكم وهو الشبهات التي توردونها على السامعين. وذلك أن النصوص الواردة في التوراة والإنجيل في أمر محمد صلى الله عليه وسلم كانت نصوصا خفية يحتاج في معرفتها إلى الاستدلال، ثم إنهم كانوا يجادلون فيها ويشوّشون وجه الدلالة على المتأملين كقوله وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ [غافر: ٥] قيل: ويجوز أن يكون وَتَكْتُمُوا منصوبا بإضمار «أن» ، والواو بمعنى الجمع أي لا تجمعوا لبس الحق بالباطل وكتمان الحق نحو «لا تأكل السمك وتشرب اللبن» . قلت: هذا التقدير يوهم أن يكون المحظور هو الجمع بين الأمرين كالجمع بين أكل السمك وشرب اللبن حتى لو أتى بكل منهما منفردا عن الآخر جاز، اللهم إلا أن يحال ذلك على القرينة كما في قوله وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً [الدهر: ٢٤] إذ لا يجوز أن يريد أطع أحدهما لقرينة الإثم والكفر. وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ما في إضلال الخلق من الضرر العظيم العائد عليكم يوم القيامة

«من سن سنة سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها» «١»

والنهي عن اللبس والكتمان وإن قيد بالعلم لم يدل على جوازهما حال عدم العلم، لأن السبب في ذكره أن الإقدام على الفعل الضار مع العلم بكونه ضارا أفحش من الإقدام عليه عند الجهل بكونه ضارا، والنهي وإن كان خاصا لكنه عام، فكل عالم بالحق يجب عليه إظهاره ويحرم عليه كتمانه. ثم لما أمرهم بذكر نعمته وبالإيمان برسوله وكتابه ونهاهم عن اللبس والكتمان، بين لهم ما لزمهم من أصول الشرائع فقال وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ أي التي عرفتموها بوصف النبي، بناء على أنه لا يجوز تأخير بيان المجمل عن وقت الخطاب. وأما القائلون بجواز التأخير فقد جوزوا ورود الأمر بالصلاة وإن لم يعرف حقيقتها، ويكون المقصود أن يوطن السامع نفسه على الامتثال وإن كان لا يعلم أن المأمور به ما هو كما لو قال السيد لعبده: إني آمرك غدا بشيء فلا بد أن تفعله. ويكون الغرض أن يعزم العبد في الحال على أدائه في الوقت الثاني. ومعنى الصلاة لغة وشرعا قد تقدم في أول البقرة. وأما الزكاة فهي في اللغة، الزيادة والنماء، وفي الشرع القدر المخرج من النصاب لأنها تزيد في بركة المخرج عنه، ويمكن أن يقال: مأخوذة من التطهير من زكى نفسه تزكية إذا مدحها وطهرها من العيوب. قال تعالى خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها [التوبة: ١٠٣] فإن المخرج يطهر ما بقي من المال.

قال صلى الله عليه وسلم «عليك بالصدقة فإن فيها ست خصال: ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة. فأما التي في الدنيا فتزيد في


(١) المصدر السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>