للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وباقي البيوت لا إشكال فيها إلى البيت العاشر وهو قوله أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ وفيه وجوه: أحدها قال ابن عباس وكيل الرجل وقيمه في ضيعته وماشيته لا بأس عليه أن يأكل من ثمر ضيعته ويشرب من لبن ماشيته وملك المفاتيح كونها في يده وحفظه. وثانيها قال الضحاك: يريد الزمنى الذين يخلفون الغزاة. وثالثها قيل: أراد بيوت المماليك لأن مال العبد لمولاه. الحادي عشر قوله أَوْ صَدِيقِكُمْ ومعناه أو بيوت أصدقائكم والصديق يكون واحدا وجمعا كالعدو. وعن الحسن أنه دخل داره وإذا حلقة من أصدقائه وقد استلوا سلالا من تحت سريره فيها الخبيص وأطايب الأطعمة وهم مكبون عليها يأكلون، فتهللت أسارير وجهه سرورا وضحك وقال: هكذا وجدناهم يريد أكابر الصحابة.

وعن جعفر الصادق بن محمد عليه السلام: من عظم حرمة الصديق أن جعله الله من الإنس والثقة والانبساط بمنزلة النفس والأب والأخ والابن.

قال العلماء: إذا دل ظاهر الحال على رضا المالك قام ذلك مقام الإذن الصريح، وربما سمج الاستئذان وثقل كمن قدم إليه طعام فاستأذن صاحبه في الأكل منه. احتج أبو يوسف بالآية على أنه لا قطع على من سرق من ذي رحم محرم وذلك أنه تعالى أباح الأكل من بيوتهم ودخولها بغير إذن فلا يكون ماله محرزا منهم، وأورد عليه أن لا يقطع إذا سرق من صديقه. فأجاب بأن السارق لا يكون صديقا للمسروق منه. واعلم أن ظاهر الآية دل على أن إباحة الأكل من هذه المواضع لا تتوقف على الاستئذان. فعن قتادة أن الأكل مباح ولكن لا يجمل. وجمهور العلماء أنكروا ذلك فقيل: كان ذلك مباحا في صدر الإسلام ثم نسخ ذلك

بقوله صلى الله عليه وسلم «لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه»

ومما يدل على هذا النسخ قوله لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ [الأحزاب: ٥٣] وقال أبو مسلم: هذا في الأقارب الكفرة. وفي هذه الآية إباحة ما حظر وفي قوله لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [المجادلة: ٢٢] وقيل: إن هؤلاء القوم كانت تطيب أنفسهم بأكل من يدخل عليهم والعادة كالإذن في ذلك فلا جرم خصهم الله بالذكر لأن هذه العادة في الأغلب توجد فيهم ولذلك ضم إليهم الصديق. وإذا علمنا أن الإباحة إنما حصلت في هذه الصورة لأجل حصول الرضا، فلا حاجة إلى القول بالنسخ.

وحين نفى الحرج عنهم في نفس الأكل أراد أن ينفي الحرج عنهم في كيفية الأكل فقال لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا وانتصب قوله جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً على الحال أي مجتمعين أو متفرقين. والأشتات جمع شت وهو نعت وقيل مصدر وصف به. ثم أجمع أكثر المفسرين ومنهم ابن عباس على أنها نزلت في بني ليث بن عمرو من كنانة كانوا يتحرّجون

<<  <  ج: ص:  >  >>