المصير مع ذكر الجزاء مدحا للثواب ومكانه كقوله نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً [الكهف: ٣١] وفي قوله لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ دلالة على أن حصول المرادات بأسرها لا تكون إلا في الجنة، وأما في الدنيا فالراحات فيها مخلوطة بالجراحات. والضمير في كانَ ل ما يَشاؤُنَ واستدلت المعتزلة بقوله عَلى رَبِّكَ أن ذلك واجب على الله حتى إنه لو لم يفعل استحق الذم. وأجيب بأنه واجب بحكم الوعد لقوله وَعْداً مَسْؤُلًا كأن المكلفين سألوا بلسان الحال من حيث تحملوا المشقة الشديدة في طاعته، أو سألوه حقيقة بقولهم رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ [آل عمران: ١٩٤] أو سألته الملائكة في قولهم رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ [غافر: ٨] أو من حقه أن يسأل ويطلب لأنه حق واجب بحكم الاستحقاق أو بحسب الموعد على المؤمنين.
قوله يوم نحشرهم رجوع إلى قوله وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً وظاهر قوله وَما يَعْبُدُونَ أنها الأصنام وظاهر قوله أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ أنه من عبد من العقلاء كالملائكة والمسيح فلأجل هذا اختلفوا فحمله قوم ومنهم الكلبي على الأوثان ثم قالوا: لا يبعد أن يخلق الله تعالى فيها الحياة والنور والنطق، أو أراد أنهم تكلموا بلسان الحال. وقال الأكثرون: إنه عام للأصنام وللمعبودين العقلاء نظيره قوله وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ [سبأ: ٤٠] ثم قالوا: إن لفظة «ما» قد تستعمل في العقلاء، أو أريد به الوصف كأنه قيل: ومعبوديهم كما إذا أردت السؤال عن صفة زيد فتقول: «ما زيد» تريد أطويل أم قصير. والسائل الله وحده أو الملائكة بإذنه. وإنما قال أنتم وهم ولم يقل «أأضللتم عبادي هؤلاء أم ضلوا السبيل» ، لأن السؤال وقع عمن تولى فعل الإضلال لا عن نفس الإضلال. وفائدة هذا السؤال من علام الغيوب أن يجيب المعبودون بما أجابوا به حتى يحصل لعبدتهم الإلزام والتوبيخ كما قال لعيسى أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ [المائدة: ١١٦] وكان القياس أن يقال: ضلوا عن السبيل إلا أنهم تركوا الجار كما تركوه في هداه الطريق والأصل هداه إلى الطريق أو للطريق. قالُوا سُبْحانَكَ تعجبا مما قيل لهم لأنهم ملائكة وأنبياء معصومون فما أبعدهم عن الإضلال الذي هو مختص بإبليس وحزبه وأنطقوا ب سُبْحانَكَ ليدلوا على أنهم المسبحون المقدسون الموسومون بذلك فكيف يليق بحالهم أن يضلوا عباده؟ أو قصدوا به تنزيهه عن الأنداد وأن يكون له ملك أو نبي أو غيرهما ندا، أو قصدوا تنزيهه من أن يكون مقصوده من هذا السؤال استفادة علم أو إيذاء من كان بريئا من الجرم بل إنما سألهم تقريعا للكفار وتوبيخا لهم.