للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعض على اليدين كناية عن الغيظ والحسرة لأنه من لوازم الغيظ والتحسر غالبا ونظيره «سقط في يده وأكل من بنانه» وأمثال ذلك. وقال الضحاك: يأكل يديه إلى المرفق ثم تنبت فلا يزال كذلك كلما أكلها نبتت. قال جار الله: تمنى أن لو صحب الرسول وسلك معه طريقا واحدا وهو طريق الحق ولم تتشعب به طرق الضلالة والهوى، أو أراد أني كنت ضالا لم يكن لي سبيل قط فليتني حصلت لنفسي في صحبة الرسول سبيلا. وفلان كناية عن الإعلام كما أن الهن كناية عن الأجناس، فإن أريد بالظالم عقبة فالمعنى ليتني لم أتخذ أبيا خليلا فكنى عن اسمه، وإن أريد به الجنس فكل من اتخذ من المضلين خليلا كان لخليله اسم علم فجعله كناية عنه. قلت: زعم بعض أئمة اللغة أنه لم يثبت استعمال فلان في الفصيح إلا حكاية. لا يقال: جاءني فلان ولكن يقال: قال زيد جاءني فلان. لأنه اسم اللفظ الذي هو علم لا اسم مدلول العلم ولذلك جاء في كلام الله تعالى: يقول يا ليتني إلخ. والذكر ذكر الله والقرآن أو موعظة الرسول أو نطقه بشهادة الحق وعزمه على الإسلام والشيطان إشارة إلى خليله الذي أضله كما يضله الشيطان، ثم خذله ولم ينفعه في العاقبة.

أو إشارة إلى إبليس وأنه هو الذي حمله على أن صار خليلا لذلك المضل وخالف الرسول صلى الله عليه وسلم ثم خذله، أو أراد الجنس فيدخل فيه كل من تشيطن من الجن والإنس.

ثم إن الكفار لما أكثروا من الاعتراضات الفاسدة ووجوه التعنت ضاق صدر الرسول صلى الله عليه وسلم وشكاهم إلى الله عز وجل وقال يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي يعني قريشا اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً أي تركوه وصدّوا عنه وعن الإيمان به.

وعن أبي مسلم أن المراد: وقال الرسول صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.

روي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم «من تعلم القرآن وعلمه وعلق مصحفا لم يتعاهده ولم ينظر فيه جاء يوم القيامة متعلقا به يقول يا رب العالمين عبدك هذا اتخذني مهجورا اقض بيني وبينه» .

وقيل: هو من هجر إذا هذى. والجار محذوف أي جعلوه مهجورا فيه. وعلى هذا فله معنيان: أحدهما أنهم زعموا أنه كلام لا فائدة فيه. والثاني أنهم كانوا إذا سمعوه لغوا فيه. وجوز الكشاف أن يكون المهجور مصدرا بمعنى الهجر كالميسور والمجلود أي اتخذوه هجرا. سؤال: هذا النداء بمنزلة قول نوح رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهاراً فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً [نوح: ٥] فكيف صارت شكاية نوح سببا لحلول العذاب بأمته ولم تصر شكاية نبينا صلى الله عليه وسلم سببا لذلك؟ الجواب أن الكلام بالتمام، وكان من تمام كلام نوح رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً [نوح: ٢٦] ولم يكن كلام رسولنا إلا مجرد الشكاية ولم يقتض الدعاء عليهم وذلك من غاية شفقته على الأمة وإن بلغ إيذاؤهم

<<  <  ج: ص:  >  >>