للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالنشور بمعنى البعث وتكون الآية نظير قوله: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ [الأنعام: ٦٠] عن لقمان أنه قال لابنه: يا بني كما تنام فتوقظ كذلك تموت فتنشر. الاستدلال الثالث قوله وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أي قدام المطر وقد مر تفسيره في «الأعراف» وأنه لم قال هاهنا أَرْسَلَ بلفظ الماضي وهناك يُرْسِلُ أما قوله وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً فهو علم بين الفقهاء في الاستدلال به على طهارة الماء في نفسه وعلى مطهريته لغيره حتى فسر الطهور بعضهم- ومنهم أحمد بن يحيى- بأنه الذي يكون طاهرا في نفسه مطهرا لغيره. واعترض عليهم صاحب الكشاف بأن الذي قالوه إن كان شرحا لبلاغته في الطهارة كان سديدا وإلا فليس «فعول» من «التفعيل» في شيء وأقول: إن الزمخشري سلم أن الطهور في العربية على وجهين: صفة كقولك «ماء طهور» أي طاهر، واسم غير صفة ومعناه ما يتطهر به كالوضوء والوقود بفتح الواو فيهما لما يتوضأ به وتوقد به النار، وعلى هذا فالنزاع مدفوع لأن الماء مما يتطهر به هو كونه مطهرا لغيره فكأنه سبحانه قال: وأنزلنا من السماء ماء هو آلة للطهارة ويلزمه أن يكون طاهرا في نفسه. ومما يؤكد هذا التفسير أنه تعالى ذكره في معرض الأنعام فوجب حمله على الوصف الأكمل، ولا يخفى أن المطهر أكمل من الطاهر نظيره وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ [الأنفال:

١١] .

ولا ضير أن نذكر بعض أحكام المياه المستنبطة من الآية فنقول: هاهنا نظران: الأول أن عين الماء هو طهور أم لا؟ مذهب الأصم والأوزاعي أنه يجوز الوضوء بجميع المائعات، وقال أبو حنيفة: يجوز الوضوء بنبيذ التمر في السفر وتجوز إزالة النجاسة بجميع المائعات المزيلة لأعيان النجاسات. وقال الشافعي وغيره من الأئمة: إن الطهورية مختصة بالماء لما مر في أول المائدة من إيجاب التيمم عند عدم الماء ولو شارك الماء مائع آخر لما أمر بالتيمم إلا بعد إعوازه أيضا ودليله في الخبث

قوله صلى الله عليه وسلم «ثم اغسليه بالماء» .

النظر الثاني في الماء وفيه بحثان: الأول في الماء المستعمل وإنه طاهر عند الشافعي وليس بمطهر في قوله الجديد. أما الأول فلإطلاق الآية وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً والأصل بقاؤه

وللحديث «خلق الماء طهورا»

ولأن السلف كانوا لا يحترزون عن تقاطر ماء الوضوء على ثيابهم وأبدانهم، ولأنه ماء طاهر لقي جسما طاهرا فأشبه ما إذا لاقى حجارة. وأما الثاني

فلقوله صلى الله عليه وسلم «لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب» «١»

ولو بقي الماء كما كان طاهرا مطهرا


(١) رواه مسلم في كتاب الطهارة حديث ٩٧. النسائي في كتاب الطهارة باب ٣٨. ابن ماجة في كتاب الطهارة باب ١٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>