للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجمع فلهذا لم يقل وأناسي كثيرين ومثله وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً. أسئلة أوردها جار الله مع أجوبتها: الأول: أن إنزال الماء موصوفا بالطهارة وتعليله بالإحياء والسقي يؤذن بأن الطهارة شرط في صحة الإحياء والسقي كما تقول: حملني الأمير على فرس جواد لأصيد به الوحش. الجواب لما كان سقي الأناسي من جملة ما أنزل له الماء وصفه بالطهور إكراما لهم وتتميما للمنة عليهم وإشارة إلى أن من حق استعمال الماء في الباطن والظاهر أن يكون طاهرا غير مخالط لشيء من القاذورات. قلت: قد قررنا فائدة هذا الوصف بوجه آخر آنفا.

السؤال الثاني: لم خص الأنعام من بين ما خلق من الحيوان المنتفع بالماء؟ الجواب لأن الطير والوحش تبعد في طلب الماء فلا يعوزها الشرب بخلاف الأنعام، ولأنها قنية الإنسان وعامة منافعه متعلقة بها فسقيها إنعام عليه. الثالث: ما معنى تنكير الأنعام والأناسي ووصفهم بالكثرة؟ الجواب لأن بعض الأنعام والأناسي الذين هم بقرب الأودية والأنهار العظام لا يحتاجون إلى ماء السماء احتياجا بينا، ولمثل هذا نكر البلدة في قوله بَلْدَةً مَيْتاً قوله سبحانه وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ الأكثرون على أن الضمير عائد إلى ما ذكر من الدلائل أي كررنا أحوال الإظلال وذكر إنشاء السحاب وإنزال المطر في القرآن وفي سائر الكتب السماوية ليتفكروا ويعتبروا ويعرفوا حق النعمة فيه ويشكروا، فأبى أكثرهم إلا كفران النعمة وجحودها. وقال آخرون: إنه يرجع إلى أقرب المذكورات وهو المطر أي صرفنا المطر بينهم في البلدان المختلفة والأوقات المتغايرة وعلى الصفات المتباينة من وابل وطل وغير ذلك فأبوا إلا كفورا وأن يقولوا: مطرنا بنوء كذا استقلالا. فإن جعلوا الأنواء كالوسائط والأمارات فلا بأس. والنوء سقوط نجم من المنازل الثمانية والعشرين للقمر في المغرب مع الفجر وطلوع رقيبه وهو نجم آخر في المشرق يقابله من ساعته في كل ليلة إلى ثلاثة عشر يوما وهو أكثر، أو إلى أربعة عشر وهو أقل. والعرب تضيف الأمطار والحر والبرد إلى الساقط منها أو إلى الطالع. فإذا مضت مدة النوء ولم يحدث شيء من مطر وغيره يقال:

خوى نجم كذا أي سقط ولم يكن عنده أثر علوي. عن ابن عباس: ما من عام أقل مطرا من عام ولكن الله عز وجل قسم ذلك بين عباده على ما يشاء وتلا هذه الآية. ويؤيد هذا التفسير تنكير البلدة والأنعام والأناسي. قال الجبائي: في قوله لِيَذَّكَّرُوا دليل على أنه تعالى أراد من الكل التذكر والإيمان. وفي قوله فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ دلالة على أن المكلف له قدرة على الفعل والترك إذ لا يقال للزمن مثلا إنه أبى أن يسعى. وقال الكعبي: الضمير في بَيْنَهُمْ لكل الناس فيكون الأكثر داخلا في ذلك العام إذ لا يجوز أن يقال: أنزلناه على قريش ليؤمنوا فأبى أكثر بني تميم إلا كفورا. وعند هذا يظهر أنه أراد من جميع المكلفين أن يؤمنوا ويعتبروا ومعارضة الأشاعرة معلومة.

<<  <  ج: ص:  >  >>