والضمير في زادَهُمْ للمقول وهو اسجدوا للرحمن أي وزادهم أمره نُفُوراً ومن حقه أن يكون باعثا على الفعل والقبول. قال الضحاك: لما رآهم المشركون يسجدون تباعدوا في ناحية المسجد مستهزئين، فمعنى الآية وزادهم سجودهم نفورا. ومن السنة أن يقول الساجد والقارئ إذا بلغ هذا الموضع زادنا الله خضوعا ما زاد للأعداء نفورا. ثم ذكر ما لو تفكروا فيه لعرفوا وجوب السجود للرحمن فقال تَبارَكَ إلخ. فالبروج هي الأقسام الاثنا عشر للفلك وأساميها مشهورة: الحمل والثور والجوزاء إلخ. شبهت بالقصور العالية. واشتقاق البروج لظهوره والسراج الشمس. ومن جمع أراد الشمس والكواكب الكبار والخلفة للهيئة من الخلافة يريد الحالة التي يخلف عليها الليل والنهار كل واحد منهما الآخر أي جعلهما ذوي خلفة يعقب هذا ذاك وذاك هذا ومثله قوله وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ [البقرة: ١٦٤] في أحد تفاسيره. وعن ابن عباس جعل كل واحد منهما يخلف صاحبه فيما يحتاج أن يعمل، فمن فاته شيء من وظائف العبادة في أحدهما قضاه في الآخر. وعن مجاهد وقتادة والكسائي يقال لكل مختلفين «هما خلفتان» فالمعنى أن أحدهما أسود والآخر أبيض أو هذا طويل وهذا قصير. ثم بين أن هذه النعمة سبب للتذكر لمن أراد ذلك أو للشكر لمن أراده.
أما التذكر فلدلالة الانتقال والتغير على الناقل والمغير، وأما الشكر فلأن الليل سبب الراحة والسكون والنهار سبب لسهولة التصرف في المعايش. قال بعضهم: معنى «أو» الفاصلة أنه إن كان كافرا تذكر وإن كان مؤمنا شكر. وقيل: أراد ليكونا وقتين للمتذكرين والشاكرين من فاته في أحدهما ورده من العبادة قام به في الآخر. والشكور مصدر كالكفور. ثم أراد أن يختم السورة بوصف عباده المخلصين فقال وَعِبادُ الرَّحْمنِ وهو مبتدأ خبره في آخر السورة أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ أو خبره الَّذِينَ يَمْشُونَ والإضافة إلى الرحمن للتخصيص والتشريف. وقرىء وَعِبادُ جمع عابد وصف سيرتهم مع الخلق بالنهار أوّلا، ثم وصف معاملتهم مع الحق بالليل ثانيا، ثم قسم الوصف الأول إلى نوعين: أحدهما ترك الإيذاء وهو المراد بقوله الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً مصدر وضع للمبالغة موضع الحال أو الصفة للمشي بمعنى هينين أو مشيا هينا والمعنى أنهم يمشون بسكينة ووقار وتواضع لا يضربون بأقدامهم ولا يخفقون بنعالهم أشرا وبطرا، ولذلك كره بعضهم الركوب في الأسواق والمشي في الأسواق دون الركوب سيرة المرسلين قال عز من قائل وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ [الفرقان: ٢٠] وثانيهما تحمل الإيذاء وإليه الإشارة بقوله وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ يعني السفهاء وقليلي الأدب قالُوا سَلاماً يعني سلام توديع ومتاركة كسلام إبراهيم صلى الله عليه وسلم حين قال لأبيه سَلامٌ عَلَيْكَ [مريم: ٤٧] ولا نسخ في الآية على ما زعم الكلبي وأبو العالية من أنها نسخت بآية القتال، فإن الإغضاء عن السفهاء وترك