للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دون هذا كافيا يريد أقل من ذلك، فيكون المعنى وكان الوسط بين ذلك قواما. وضعفه في الكشاف بأن ما بين الإسراف والتقتير قوام لا محالة فليس في الخبر الذي هو معتمد الفائدة فائدة. وأقول: إذا أريد بالقوام حاق الوسط وبقوله بَيْنَ ذلِكَ أعم منه لم يلزم التكرار.

وعن ابن مسعود قلت: يا رسول الله أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك.

قلت: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يأكل معك. قلت: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك. فأنزل الله عز وجل تصديقه وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ إلى قوله وَلا يَزْنُونَ

قال جار الله: نفى هذه الأمور الشنيعة عن الموصوفين بتلك الخلال العظيمة في الدين تعريض بما كان عليه أعداء المؤمنين من قريش وغيرهم كأنه قيل: والذين برأهم الله وطهرهم مما أنتم عليه. وقيل: إن الموصوف بالصفات المذكورة قد يرتكب هذه الأمور تدينا فبين الله تعالى أن المكلف لا يصير بتلك الخلال وحدها من عباد الرحمن حتى ينضاف إلى ذلك كونه مجانبا لهذه الكبائر، والقتل بغير حق يشمل الوأد وغيره كما مر في سبب النزول وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ أي المذكور فترك المأمورات أو ارتكب المنهيات. والأثام جزاء الإثم بوزن الوبال والنكال ومعناهما. وقيل: هو الإثم والمضاف محذوف أي يلق جزاء الإثم، وقرأ ابن مسعود أياما بتشديد الياء التحتانية يعني أيام الشدة. ومعنى مضاعفة العذاب لمن ارتكب مخالفة المذكورات أن يعذب على الشرك وعلى المعاصي الأخر جميعا. هذا عند من يرى تعذيب الكفار بفروع الشرائع، والمخالف يدعي أن المشار إليه بقوله ذلِكَ هو قوله وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ قال القاضي: قوله وَيَخْلُدْ فِيهِ أي في ذلك التضعيف أو المضعف ففيه دليل على أن حال الزيادة كحال الأصل في الدوام فيكون عقاب المعصية دائما، وإذا كان كذلك في حق الكافر لزم أن يكون كذلك في حق المؤمن. وأجيب بأن الشيئين قد يكون كل واحد منهما قبيحا ويكون الجمع بينهما أقبح فلا يلزم أن يكون للانفراد حكم الاجتماع. وفي قوله وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً إشارة إلى أن العقاب هو المضرة الخالصة الدائمة المقرونة بالإذلال والإهانة كما أن الثواب منفعة خالصة دائمة مقرونة بالإجلال والتعظيم.

وقوله إِلَّا مَنْ تابَ لا يفهم منه إلا أن التائب لا يضاعف له العذاب ولا يلزم منه أن يكون مثابا فلذلك قال: فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ عن ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة أن هذا التبديل إنما يكون في الدنيا فيبدلهم بالشرك إيمانا، وبقتل المسلمين قتل المشركين، وبالزنا عفة وإحصانا، يبشرهم الله تعالى بأنه يوفقهم لهذه الأعمال الصالحة إذا تابوا وآمنوا وعملوا سائر الأعمال الصالحة. وإنما أفرد التوبة والإيمان بالذكر أوّلا لعلو شأنهما. وقال الزجاج: السيئة بعينها لا تصير حسنة ولكن السيئة تمحى

<<  <  ج: ص:  >  >>