ينفع. ثم بين أنه قادر على تنزيل آية ملجئة إلى الإيمان ولكن المشيئة والحكمة تقتضيان بناء الأمر على صورة الاختبار. قال صاحب الكشاف: وجه عطف فَظَلَّتْ على نُنَزِّلْ كما قيل في قوله فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ [المنافقون: ١٠] كأنه قيل: أنزلنا فظلت. وأقول: الظاهر أن الفاء في فَظَلَّتْ للسببية بدليل عدم المستتر فيه كما في نُنَزِّلْ. ووجه العدول إلى الماضي كما قيل في وَنادى [الأعراف: ٤٨] وَسِيقَ [الزمر: ٧٣] وجه مجيء خاضِعِينَ خبرا عن الأعناق إذ الأعناق تكون مقحما لبيان موضع الخضوع. وأصل الكلام: فظلوا لها خاضعين أي حين وصفت الأعناق بالخضوع الذي هو للعقلاء قيل خاضِعِينَ كقوله وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ [يوسف: ٤] وقيل: أعناقهم رؤساؤهم كما يقال لهم الرؤوس والصدور. وقيل: أراد جماعاتهم. يقال: جاءنا عنق من الناس لفوج منهم. عن ابن عباس: نزلت هذه الآية فينا وفي بني أمية. قال: ستكون لنا عليهم الدولة فتذل لنا أعناقهم بعد صعوبة ويلحقهم هوان بعد عزة. ومعنى ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ قد مر في سورة الأنبياء. نبه سبحانه بذلك على أنه مع اقتداره على أن يجعلهم ملجئين إلى الإيمان حكيم يأتيهم بالقرآن حالا بعد حال رعاية لقاعدة التكليف. ثم ذكر أنه تعالى لا يحدد لهم توجيه موعظة وتذكير إلا جددوا ما هو نقيض المقصود، وذلك النقيض هو الإعراض والتكذيب والاستهزاء وهذا ترتيب في غاية الحسن كأنه قيل حين أعرضوا عن الذكر: فقد كذبوا به وحين كذبوا به فقد خف عندهم قدره حتى صار عرضة للاستهزاء. وهذه درجات من أخذ في الشقاء فإنه يعرض أوّلا، ثم يصرح بالتكذيب ثانيا، ثم يبلغ في التكذيب والإنكار إلى حيث يستهزىء. وفي قوله فَسَيَأْتِيهِمْ وعيد لهم بعذاب بدر أو يوم القيامة وقد مر مثله في أول «الأنعام» . ثم بين أنه مع حكمته في إنزال القرآن حالا بعد حال رحيم يظهر من الدلائل الحسية ما يكفي للمتأمل في باب النظر والاستدلال. والزوج الصنف والكريم نعت لكل ما يرضى ويحمد في بابه منه «وجه كريم» إذا رضي في حسنه وجماله، و «كتاب كريم» مرضي في مبانيه، «ونبات كريم» مرضي فيما يتعلق به من المنافع، فما من نبت إلا وفيه نفع وفائدة من جهة وإن كانت فيه مضرة من جهة أخرى. ويحتمل أن يراد بالكريم النافع منه وتكون المضارّ مسلوبة عنه. قال جار الله: معنى الجمع بين «كم» و «كل» دون أن يقول «كم أنبتنا فيها من زوج كريم» هو أن «كلا» قد دل على الإحاطة بأزواج النبات على سبيل التفصيل، و «كم» دل على أن هذا محيط مفرط الكثرة. قلت: فالحاصل أن خلق النوع يصدق بخلق فرد واحد منه كما يصدق بخلق أفراد كثيرة. فقوله كُلِّ زَوْجٍ إشارة إلى خلق كل نوع من أنواع النبات، وقوله كَمْ أَنْبَتْنا إشارة إلى كثرة أفراد كل نوع منه وفيه تنبيه على كمال القدرة ونهاية الجود والرحمة ولهذا