صفة القهر ليس لإبليس فلذلك عاند إبليس آدم وقال أنا خير منه وعاند فرعون الرب وقال أنا ربكم الأعلى. وأن له استعدادا في مظهرية صفة اللطف ليس للملك ولهذا صار الإنسان مسجودا للملائكة. أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ فيه أن موسى القلب مرسل إلى فرعون النفس لئلا تستعبد الصفات الروحانية فإن لفرعون النفس في البداية استيلاء على موسى القلب والصفات الروحانية فاستعملهم في قضاء حوائجه وتحصيل مقاصده فعرفه فرعون النفس وقال أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً فإن موسى القلب كان في حجر فرعون النفس إلى أن بلغ أوان الحلم وهي خمس عشرة سنة، فقتل قبطي الشهوة حين كفر بإله الهوى وكان قبل القتل ضالا عن حضرة الربوبية فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ إلى الله لما خفت أن تقطعوا عليّ الطريق إلى الله. رب سموات القلوب وأرض البشرية وما بينهما من المنازل قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ من صفات النفس أَلا تَسْتَمِعُونَ قالَ موسى القلب لتعارفه بربه رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ يعني الآباء العلوية الروحانية. وفي قوله إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ إشارة إلى كمال ضدية القلب والنفس فما يصدر عن القلب تعده النفس من الجنون وبالعكس. رَبُّ مشرق الروح من أفق البدن وَرَبُّ مغربه فيه وَما بَيْنَهُمَا من مدة التعلق وقد مر نظيره في محاجة إبراهيم في «البقرة» لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ في سجن حب الدنيا فإن القلب إذا توجه إلى الله فلا استيلاء للنفس عليه إلا بشبكة حب الجاه والرياسة فإنها آخر ما يخرج من رؤوس الصديقين. فقال موسى القلب: لا تقدر على أن تسجنني فإن معي عصا الذكر واليد المنزوعة عما سوى الله. وباقي التأويل قد سبق قوله:
فَأَخْرَجْناهُمْ أي مِنْ جَنَّاتٍ صفات الأوصاف الروحانية وَعُيُونٍ الحكمة وَكُنُوزٍ المعارف وَمَقامٍ كَرِيمٍ في حضرة أكرم الأكرمين وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ فيه أن النفس إذا فنيت ورث القلب منها صفاتها وبقوتها تصير إلى مقامات لم يمكنه الوصول إليها بقوة صفاته، ولو مات القلب ورثت النفس منه صفاته وبقوتها تتنزل إلى دركات لم يمكنها الوصول إليها بمجرد صفاتها فَأَتْبَعُوهُمْ أي لحق أوصاف النفس أوصاف القلب عند إشراق شمس الروح فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ فيه أن كل صفة من أوصاف الروح كجبل عظيم في العبور عنه وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ أي قربنا صفات النفس بتبعية صفات القلب إلى بحر الروح. وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ من الأوصاف في بحر الروح بالوصول إلى الحضرة ثُمَّ أَغْرَقْنَا أوصاف النفس في بحر الروحانية فإن الوصول إلى الحضرة من خواص القلب وغاية سير النفس هو الاستغراق في بحر الروحانية إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لأرباب العرفان وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ بهذه المنازل فإنه لا يصير إليها إلا الشاذ من المجذوبين بجذبة ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ [الفجر: ٢٨] جعلنا الله من المستعدين لها والله أعلم.