ذا عمل وضع عليه جزية يؤديها. السدي: كان يجعلهم في الأعمال القذرة ككنس الكنيف ونحوه، ولا ريب أن كون الإنسان تحت تصرف الغير كيف شاء لا سيما إذا استعمله في الأعمال الشاقة القذرة من غير أن يأخذه بهم رأفة وإشفاق، من أشدّ العذاب، حتى إن من هذه حاله ربما يتمنى الموت. سئل حكيم: أي شيء أصعب من الموت؟ فقال: ما يتمنى فيه الموت. فبين تعالى عظيم نعمته عليهم بأن نجاهم من ذلك، ثم أتبع نعمة أخرى فقال يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ ومعناه هم يقتلون الذكور من أولادكم دون الإناث. والذي دعاهم إلى ذلك أمور منها: أن ذبح الأبناء يقتضي إفناء الرجال وانقطاع النسل بالآخرة. ومنها أن هلاك الرجال يقتضي فساد معيشة النساء حتى يتمنين الموت من النكد والضر. ومنها أن قتل الولد عقيب الحمل والكد والرجاء القوي في الانتفاع بالمولود من أعظم العذاب. ومنها أن الأبناء أحب وأرغب من البنات ولهذا قيل:
سروران مالهما ثالث ... حياة البنين وموت البنات
لقول النبي صلى الله عليه وسلم «دفن البنات من المكرمات»
ومنها أن بقاء النسوان بدون الذكران يوجب صيرورتهن مستفرشات للأعداء، وذلك نهاية الذل والهوان. قال بعضهم: المراد بالأبناء الرجال ليطابق النساء، إذ النساء اسم للبالغات وهو جمع المرأة من غير لفظها.
قالوا: وإنما كان يأمر بقتل الرجال الذين يخاف منهم الخروج عليه والتجمع لإفساد أمره.
والأكثرون على أن المراد بالأبناء الأطفال لظاهر اللفظ، ولأنه كان يتعذر قتل جميع الرجال على كثرتهم، ولأنهم كانوا محتاجين إليهم في الأعمال الشاقة، ولأنه لو كان كذلك لم يكن لإلقاء موسى في اليم معنى. وإنما لم يقل البنات في مقابلة الأبناء لأنهن لما لم يقتلن كن بصدد أن يبلغن، فحسن إطلاق اسم النساء عليهن مثل إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً [يوسف:
٣٦] عن ابن عباس: أنه وقع إلى فرعون وطبقته ما كان الله وعد إبراهيم أن يجعل في ذريته أنبياء وملوكا، فخافوا ذلك واتفقت كلمتهم على أعداد رجال معهم الشفار يطوفون في بني إسرائيل فلا يجدون مولودا ذكرا إلا ذبحوه، فلما رأوا أن كبارهم يموتون، والصغار يذبحون، خافوا فناءهم وأن لا يجدوا من يباشر الأعمال الشاقة، فصاروا يقتلون عاما دون عام. وعن السدي: أن فرعون رأى نارا أقبلت من بيت المقدس حتى استولت على بيوت مصر وأحرقت القبط وتركت بني إسرائيل، فدعا فرعون الكهنة وسألهم عن ذلك فقالوا:
يخرج من بيت المقدس من يكون هلاك القبط على يده. وقيل: إن المنجمين أخبروا فرعون بذلك وعينوا له السنة، فلهذا كان يقتل أبناءهم من تلك السنة. قيل: والأقرب هو الأول، لأن المستفاد من علم النجوم والتعبير لا يكون أمرا مفصلا، وإلا قدح ذلك في كون الإخبار