هذه إلا من قبل البحر يوجد منه شبيه الإنس فيؤخذ من ريقه فيلطخ به برصها فتبرأ من ذلك في يوم كذا من شهر كذا حين تشرق الشمس. فلما كان ذلك اليوم غدا فرعون في مجلس له على شفير النيل ومع آسية زوجته، وأقبلت بنت فرعون في جواريها حتى جلست على الشاطئ إذ أقبل النيل بتابوت تضربه الأرياح والأمواج وتعلق بشجرة فقال فرعون: ائتوني به، فابتدروه بالسفن من كل جانب حتى وضعوه بين يديه فعالجوا فتح الباب فلم يقدروا عليه وعالجوا كسره فلم يقدروا عليه، فنظرت آسية فرأت نورا في جوف التابوت لم يره غيرها فعالجته ففتحته فإذا هو صبي صغير في مهده يمص إبهامه لبنا، وإذا نور بين عينيه فألقى الله محبته في قلوب القوم، وعمدت ابنة فرعون إلى ريقه فلطخت به برصها فبرئت وضمته إلى صدرها. فقال الأعزة من قوم فرعون: إنا نظن أن هذا هو الذي تحذر منه، فهمّ فرعون بقتله فاستوهبته امرأة فرعون وتبنته فترك قتله.
قال علماء البيان: اللام في قوله لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا لام العاقبة وأصلها التعليل إلا أنه وارد هنا على سبيل المجاز استعيرت لما يشبه التعليل من حيث إن العداوة والحزن كان نتيجة التقاطهم كما أن الإكرام مثلا نتيجة المجيء في قولك «جئتك لتكرمني» وبعبارة أخرى، إن مقصود الشيء والغرض منه هو الذي يؤل إليه أمره فاستعملوه هذه اللام فيما يؤل إليه الأمر على سبيل التشبيه وإن لم يكن غرضا. ومعنى كونهم خاطئين هو أنهم أخطؤا في التدبير حيث ربوا عدوّهم في حجرهم أو أنهم أذنبوا وأجرموا، وكان عاقبة ذلك أن يجعل الله في تربيتهم من على يديه هلاكهم. قال النحويون قُرَّتُ عَيْنٍ خبر مبتدأ محذوف أي هو قرة عين ولا يقوى أن يجعل مبتدأ ولا تَقْتُلُوهُ خبرا لأن الطلب لا يقع خبرا إلا بتأويل، ولو نصب لكان أقوى لأن الطلب من مظان النصب.
روي في حديث أن آسية حين قالت قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ قال فرعون: لك لا لي،
ولو قال هو قرة عين لي كما هو لك لهداه الله كما هداها. ثم إنها رأت فيه مخايل اليمن ودلائل النفع وتوسمت فيه أمارات النجابة فقالت عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً فإنه أهل للتبني وذلك لما عاينت من النور وارتضاع الإبهام وبرء البرصاء. قال في الكشاف وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ حال من آل فرعون. وقوله إِنَّ فِرْعَوْنَ الآية. جملة اعتراضية واقعة بين المعطوف والمعطوف عليه مؤكدة لمعنى خطئهم والتقدير: فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا. وقالت امرأة فرعون كذا وهم لا يشعرون أنهم على خطأ عظيم في التقاطه ورجاء النفع منه وتبنيه. قلت: لا يبعد أن تكون الجملة حالا من فاعل قالَتْ أي قالت كذا وكذا في حال عدم شعورهم بالمئال وهو أن هلاكهم على يده وبسببه. وقال الكلبي: أي لا يشعرون بنو إسرائيل وأهل مصر أنا التقطناه.