اللبن فأخبره موسى ففرح وعلم أن لموسى والعصا شأنا. قيل: كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو فإن موسى ذهب ليقتبس النار فكلمه الملك الجبار وقد مر في النمل تفسير قوله فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ إلى قوله مِنْ غَيْرِ سُوءٍ [الآية: ١٠] أما قوله وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فذكر جار الله له معنيين: أحدهما حقيقة وهو أنه لما قلب الله العصا حية فزع واضطرب فاتقاها بيده كما يفعل الخائف من الشيء فقيل له: إن اتقاءك بيدك فيه نقصان قدرك عند الأعداء فإن ألقيتها، فكما تنقلب حية فادخل يدك تحت عضدك مكان اتقائك بها ثم أخرجها بيضاء ليحصل الأمران: اجتناب النقص وإظهار معجزة أخرى. وثانيهما مجاز وهو أن يراد بضم الجناح التجلد وضبط النفس حتى لا يضطرب فيكون استعارة من فعل الطائر لأنه إذا خاف أرخى جناحيه وإلا ضمهما. ومعنى مِنَ الرَّهْبِ من أجل الخوف.
والفرق بين هذه العبارة وبين قوله اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ أن الغرض هناك خروج اليد بيضاء وهاهنا الغرض إخفاء الخوف أو أراد بالجناح المضموم هاهنا اليد اليمنى وبالجناح المضموم إليه في قوله وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ اليد اليسرى، وقيل: إن الرهب هو الكم بلغة حمير وزيفه النقاد. من قرأ فَذانِكَ بالتخفيف فمثنى ذاك، ومن قرأ بالتشديد فمثنى ذلك وأصله ذان لك قلبت اللام نونا وأدغمت. وسميت الحجة برهانا لبياضها وإنارتها من قولهم «امرأة برهرهة» أي بيضاء، والعين واللام مكررتان. والدليل على زيادة النون قولهم «أبره الرجل» إذا جاء بالبرهان ونظيره «السلطان» من السليط الزيت، لإنارتها. وظاهر الكلام يقتضي أنه تعالى أمره بذلك قبل لقاء فرعون، والسر فيه أن يكون على بصيرة من أمره عند لقاء المعاند اللجوج. وزعم القاضي أنه في حال أداء الرسالة لأن المعجز إنما يظهر ليستدل المرسل إليه على الرسالة ولا يخفى ضعف هذا الكلام لأن الحكمة في الإظهار لا تنحصر في الاستدلال بل لعل هناك أنواعا أخر من الحكم والمقاصد قد ذكرنا واحدا منها. ومما يؤكد أن هذا الكلام قد جرى ولم يكن هناك أحد غير موسى قوله معتذرا رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً الآية. والردء اسم ما يعان به من ردأته أي أعنته فعل بمعنى مفعول به ويُصَدِّقُنِي بالرفع صفة وبالجزم جواب كما مر في قوله وَلِيًّا يَرِثُنِي [مريم: ٦] والمراد بتصديق أخيه أن يذب ويجادل عنه لا أن يقول: صدقت فإن هذا القدر لا يفتقر إلى البيان والفصاحة لأن سحبان وباقلا يستويان فيه. ويجوز أن يكون الضمير في يُصَدِّقُنِي لفرعون. وجوّز جار الله أن يكون من الإسناد المجازي بناء على أن يصدق مسند إلى هارون وهو ببيانه وبلاغته سبب تصديق فرعون يؤيده قوله إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ قال الجبائي:
إنما سأل موسى أن يرسل هارون بأمر الله تعالى ولم يكن ليسأل ما لا يأمن أن يجاب أو لا يكون حكمة. ولقائل أن يقول: لعله سأله مشروطا على معنى إن اقتضت الحكمة ذلك كما