للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقيني منكم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله أدخله الجنة» «١» .

قوله وَلكِنْ رَحْمَةً أي ولكنا علمناك رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ثم فسر الرحمة بقوله لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ أي في زمان الفترة بينك وبين عيسى وهو خمسمائة وخمسون سنة. وقيل:

كانت حجة الأنبياء قائمة عليهم ولكنه ما بعث إليهم من يجدد تلك الحجة عليهم، فبعثه الله تعالى تقريرا لتلك التكاليف وإزالة لتلك الفترة. قوله وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ هي امتناعية وجوابها محذوف. والفاء في قوله فَيَقُولُوا للعطف على أن تصيبهم. وقوله لَوْلا أَرْسَلْتَ هي تحضيضية. والفاء في فَنَتَّبِعَ جواب «لولا» ، وذلك أن التحضيض في حكم الأمر لأن كلا منهما بعث على الفعل. والمعنى: ولولا أنهم قائلون إذا عوقبوا على ما قدّموا من الشرك والمعاصي هلا أرسلت إلينا رسولا محتجين علينا بذلك لما أرسلنا إليهم. والحاصل أن إرسال الرسول لأجل إزالة هذا العذر. قال أصحاب البيان: القول هو المقصود بأن يكون سببا لإرسال الرسل، ولكن العقوبة لما كانت هي السبب للقول أدخلت عليها «لولا» وجيء بالقول معطوفا عليها بفاء السببية تنبيها على أنهم لو لم يعاقبوا على كفرهم ولم يعاينوا العذاب لم يقولوا لولا أرسلت إلينا رسولا، فالسبب في قولهم هذا هو العقاب لا غير لا التأسف على ما فاتهم من الإيمان، وفي هذا بيان استحكام كفرهم وتصميمهم. قال الجبائي: في الآية دلالة على وجوب اللطف وإلا لم يكن لهم أن يقولوا لولا أرسلت. وقال الكعبي: فيه دليل على أنه تعالى يقبل حجة العباد فلا يكون فعل العبد بخلق الله وإلا لكان للكافر أعظم حجة على الله تعالى. وقال القاضي: فيه إبطال الجبر لأن اتباع الآيات لو كان موقوفا على خلق الله فأيّ فائدة في قولهم هذا. ومعارضة الأشاعرة بالعلم والداعي معلومة.

ثم بين أنهم قبل البعثة يتعلقون بشبهة وبعد البعثة يتعلقون بأخرى فلا مقصود لهم إلا العناد فقال فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ أي الرسول المصدّق بالكتاب المعجز قالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى من الكتاب المنزل جملة ومن سائر المعجزات كقلب العصا حية واليد البيضاء وفلق البحر، فأجاب الله تعالى عن شبهتهم بقوله أَوَلَمْ يَكْفُرُوا وفيه وجوه:

أحدها أن اليهود أمروا قريشا أن يسألوا محمدا مثل ما أوتي موسى فقال تعالى: أَوَلَمْ يَكْفُرُوا هؤلاء اليهود الذين اقترحوا هذا السؤال بموسى مع تلك الآيات الباهرة. والذين أوردوا هذا الاقتراح يهود مكة، والذين كفروا بموسى من قبل أو بما أوتي موسى من قبل هم الذين كانوا


(١)
رواه الترمذي في كتاب الدعوات باب ٩٩. ابن ماجة في كتاب المقدمة باب ١٣. أحمد في مسنده (٢/ ٣٨١، ٤٣٣) . إلى قوله «سبقت غضبي» .
[.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>