لأن الضياء وهو ضوء الشمس تتعلق به المنافع المتكاثرة وليس التصرف في المعاش وحده، والظلام ليس بتلك المنزلة ومن ثمّ قرن بالضياء أَفَلا تَسْمَعُونَ لأن السمع يدرك ما لا يدركه البصر من ذكر منافعه ووصف فوائده، وقرن بالليل أَفَلا تُبْصِرُونَ لأن غيرك يبصر من منفعة الظلام ما تبصره أنت من السكون ونحوه. قال الكلبي: أَفَلا تَسْمَعُونَ معناه أفلا تطيعون من يفعل ذلك. وقوله أَفَلا تُبْصِرُونَ معناه أفلا تبصرون ما أنتم عليه من الخطأ والضلال. وقال أهل البرهان: قدم الليل على النهار لأن ذهاب الليل بطلوع الشمس أكثر فائدة من ذهاب النهار بدخول الليل. وإنما ختم الآية الأولى بقوله أَفَلا تَسْمَعُونَ بناء على الليل، وختم الأخرى بقوله أَفَلا تُبْصِرُونَ بناء على النهار والنهار مبصر وآية النهار مبصرة. ثم بين أن من رحمته زواجه بين الليل والنهار لتسكنوا في الليل ولتبتغوا من فضله في النهار ولإرادة الشكر على النعمتين جميعا. وفي الآية طريقة اللف ثقة بفهم السامع وذلك لأن السكون بالنهار وإن كان ممكنا وكذا الابتغاء من فضل الله بالليل إلا أن الأليق بكل واحد منهما ما ذكره فلهذا خصه به. وفي تكرير التوبيخ باتخاذ الشركاء دليل على أنه لا شيء أسخط عند الله من الإشراك به، ويعلم منه أنه لا شيء أجلب لرضاه من الشهادة بوحدانيته. وفحوى الخطاب: أين الذين ادّعيتم إلهيتهم لتخلصكم أو أين الذين قلتم إنها تقربكم إلى الله زلفى وقد علموا أن لا إله إلا الله؟ فيكون ذلك زيادة في غمهم.
ومعنى وَنَزَعْنا وأخرجنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً قال بعضهم: هو نبيهم لأن الأنبياء يشهدون أنهم بلغوا أمتهم الدلائل وبلغوا في إيضاحها كل غاية ليعلم أن التقصير منهم فيكون ذلك زيادة في غمهم أيضا. وقال آخرون: بل هم الشهداء الذين يشهدون على الناس في كل زمان، ويدخل في جملتهم الأنبياء وهذا أقرب، لأنه تعالى عم كل جماعة بأن ينزع منهم الشهيد فيدخل فيه أزمنة الفترات والأزمنة التي بعد محمد صلى الله عليه وسلم. فَقُلْنا للأمة هاتُوا بُرْهانَكُمْ فيما كنتم عليه من الشرك وخلاف الرسول فَعَلِمُوا حينئذ أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ ورسوله وغاب عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ من الباطل والزور. ثم عقب حديث أهل الضلال بقصة قارون. وهو اسم أعجمي ولهذا لم ينصرف بعد العلمية ولو كان «فاعولا» من قرن لانصرف. والظاهر أنه كان ممن آمن بموسى، هذا ظاهر نص القرآن ولا يبعد أيضا حمله على القرابة. قال الكلبي: إنه كان ابن عم موسى. وقيل: كان موسى ابن أخيه وكان يسمى المنوّر لحسن صورته، وكان أقرأ بني إسرائيل للتوراة إلا أنه نافق كما نافق السامري. وقال:
إذا كانت النبوّة لموسى والذبح والقربان إلى هارون فما لي؟ وفي قوله فَبَغى عَلَيْهِمْ وجوه أحدها: أن بغيه استخفافه بالفقراء. وثانيها أنه ملكه فرعون على بني إسرائيل فظلمهم. وقال