[العنكبوت: ١٤] فإن ذلك إخبار من الله تعالى ولا يحسن من الكريم أن يعاقب على الجرم السابق إلا بعد تحقق الإصرار والاستمرار. قال بعضهم: إن تعلق بِالْبُشْرى بهذا الإنذار هو أنه كان في إهلاك قوم لوط إخلاء الأرض من العباد فقدمت البشارة المذكورة المتضمنة لوجود عباد صالحين حتى لا يتأسف على إهلاك قوم من أبناء جنسه. ثم إن إبراهيم لما سمع إنذار الملائكة أظهر الإشفاق على لوط والحزن له قائلا إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ منك بِمَنْ فِيها وأخبروا بحاله وحال قومه. ومعنى مِنَ الْغابِرِينَ من الماضين ذكرهم أو ممن يمضي زمانه ويفني أو من الباقين في المهلكين وسِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً قد مر في «هود» وقال بعضهم: يحتمل أن يكون ضيق الذرع عبارة عن انقباض الروح فعند ذلك تجتمع أعضاء الإنسان وتقل مساحتها. فقالت الملائكة لا تَخَفْ علينا وَلا تَحْزَنْ بسب التفكر في أمرنا. وقال أهل البرهان: وإنما قيل هاهنا وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ بزيادة «أن» لأن «لما» تقتضي جوابا وإذا اتصل به «أن» دل على أن الجواب وقع في الحال من غير تراخ في الظاهر كما في هذه السورة وهو قوله سِيءَ بِهِمْ وفي هود اتصل به كلام بعد كلام فطال فلم يحسن دخول «أن» ظاهرا مع أن القصة واحدة. ثم إن الملائكة قالوا للوط إِنَّا مُنَجُّوكَ بلفظ اسم الفاعل وقالوا لإبراهيم عليه السلام لَنُنَجِّيَنَّهُ بلفظ الفعل لأن ذلك ابتداء الوعد وهذا أوان إنجازه فأرادوا أن ذلك الوعد حتم واقع منا كقولك: أنا ميت لضرورة وقوعه ووجوده. والرجز العذاب الذي يوقع صاحبه في القلق والاضطراب من قولهم: ارتجز وارتجس إذا اضطرب، والمراد الحجارة.
وقيل: النار. وقيل: الخسف. وعلى هذا يراد أن الأمر بالخسف والقضاء به من السماء وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها أي من القرية آيَةً بَيِّنَةً هي آثار منازلهم الخربة أو بقية الحجارة أو الماء الأسود أو قصتهم وخبرهم. وقوله لِقَوْمٍ يتعلق ب تَرَكْنا أو ب بَيِّنَةً ولزيادة قوله بَيِّنَةً قال لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ بخلاف قوله في قصة نوح عليه السلام وَجَعَلْناها آيَةً لِلْعالَمِينَ [العنكبوت: ١٥] لأن الآية لا تتبين إلا لذوي العقول وليس كل من في العالم بذي عقل.
ثم أجمل سائر القصص والرجاء إما على أصله أو بمعنى الخوف. وعلى الأول قال جار الله: أراد افعلوا ما ترجون به العاقبة، فأقيم المسبب مقام السبب. أو أمروا بالرجاء والمراد اشتراط ما يسوغه من الإيمان كما يؤمر الكافر بالصلاة مثلا على إرادة الشرط وهو الإسلام. فَكَذَّبُوهُ إنما صح إطلاق التكذيب مع أن ما ذكره شعيب أمر ونهي، والأمر لكونه طلبا لا يحتمل التصديق والتكذيب، وكذا النهي لأن قول شعيب يتضمن قوله الله