ابن خلف: كذبت يا أبا فضيل اجعل بيننا أجلا أناحبك عليه، فخاطره على عشر قلائص من كل واحد منهما وجعل الأجل ثلاث سنين. فأخبر أبو بكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: البضع ما بين الثلاث إلى التسع فزايده في الخطر وماده في الأجل فجعلاها مائة قلوص إلى تسع سنين. فلما أراد أبوبكر أن يخرج من مكة أتاه أبي فلزمه وطلب كفيلا فكفله ابنه عبد الله بن أبي بكر، فلما أراد أن يخرج إلى أحد أتاه عبد الله فلزمه إلى أن أقام كفيلا ثم خرج إلى أحد ثم رجع أبي فمات بمكة من جراحته التي جرحها رسول الله صلى الله عليه وسلم فظهرت الروم على فارس يوم الحديبية. وذلك عند رأس سبع سنين. فأخذ أبو بكر الخطر من ذرية أبي وجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره أن يتصدق به.
قالت العلماء: إنما أبهم الوقت لأن الكفار كانوا معاندين والأمور التي تقع في البلاد الشاسعة قلما يحصل الاتفاق على وقتها المعين من السنة والشهر واليوم والساعة وإن كان معلوما للنبي بإعلام الله إياه، فالمعاند كان يتمكن من الإرجاف بوقوع الواقعة قبل وقوعها ليحصل الخلف في الميعاد ولكن المعاند لا يتمكن من إنكار الواقعة في البضع، وَيَوْمَئِذٍ أي يوم يغلب الروم فارس ويحصل ما وعد الله من غلبتهم يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ وبغلبة من له كتاب على من لا كتاب له، أو بغيظ الشامتين بهم من كفار مكة. وقيل: نصر الله هو إظهار صدق المؤمنين فيما أخبر به نبيهم من غلبة الروم.
وعن أبي سعيد الخدري: وافق ذلك يوم بدر وهو المراد بنصر الله، وذلك أن خبر الكسر لم يصل إليهم في ذلك اليوم بعينه فلا يكون فرحهم يومئذ بل الفرح يحصل بعده، ولناصر القولين الأولين أن يقول: أقيم سبب الفرح، مقام الفرح أو المراد باليوم الوقت الواسع الشامل لما بين زمان وقوع الكسر إلى زمان وصول خبر الكسر الموجب للفرح. ومن علق قوله بِنَصْرِ اللَّهِ بقوله يَنْصُرُ بناء على أن المقصود بيان أن النصرة بيد الله لا بيان وقوع النصرة لم يقف هاهنا ووقف على الْمُؤْمِنُونَ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ فإذا سلط العدو على الحبيب فلعزته واستغنائه عن العالمين، وإذا نصر الحبيب فلرحمته عليه. أو نقول: إن نصر المحب فلعزته واستغنائه عنه ورحمته في الآخرة واصلة إليه. وَعْدَ اللَّهِ مصدر مؤكد لنفسه لأن ما سبق في معنى الوعد وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ أنه لا خلف في وعده لأنهم بله في أمور الدين. وفي إبدال قوله يَعْلَمُونَ من قوله لا يَعْلَمُونَ أو في بيان هذا بذاك إشارة أن العلم بأمور الدنيا كالجهل المطلق، وفي تنكير ظاهِراً إشارة إلى قلة علمهم بظاهر الدنيا أيضا وفي تكرير «هم» إشارة إلى أن الغفلة منهم وإلا فأسباب التذكرة حاصلة وظاهر الدنيا ملاذها وملاعبها وباطنها مضارها ومتاعبها.
هي الدنيا تقول بملء فيها ... حذار حذار من سفكي وفتكي