بين هرم وعاقر لا يهون إلا علي. ولا معنى للاختصاص هاهنا فإن الأمر مبني على المعقول بين الآدميين من ان المعاد أهون من المبدأ ولهذا قيل: أول الغزو أخرق. وليس الدخيل في أمر كالناشىء عليه. ومن الدليل العقلي على هذا المطلوب أن الإبداء خلق الأجزاء وتأليفها، والإعادة تأليف فقط، ولا شك أن أمرا واحدا أهون من الأمرين ولا يلزم منه أن يكون في الأمرين صعوبة فإن من قال: الرجل القوي يقدر على حمل شعيرة من غير صعوبة وسلم السامع له ذلك فإذا قال فلان لا يتعب من حمل خردلة وإن حمل خردلة أهون عليه.
كان كلاما معقولا وقد أجرى الزجاج قوله وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ مجرى المثل فيما يصعب ويسهل. وفسر به قوله وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى يعني هذا مثل مضروب لكم في الأرض وله المثل الأعلى من هذا المثل ومن كل مثل يضرب في السموات فيما بين الملائكة. وعن ابن عباس: أراد أن فعله وإن شبهه بفعلكم ومثله به لكنه ليس كمثله شيء فله المثل الأعلى وقال جار الله: المثل الوصف أي له الوصف الأعلى الذي ليس لغيره مثله قد عرف به ووصف في السموات والأرض على ألسنة الخلائق وألسنة الدلائل، وهو أنه القادر الذي يقدر على الخلق والإعادة، العليم الذي لا يعزب عن علمه شيء فلا يصعب عليه جمع الأجزاء بعد تفرّقها على الوجه الذي يقتضيه التدبير ولهذا ختم الآية بقوله: وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وعن مجاهد: المثل الأعلى وصفه بالوحدانية وهو قوله «لا إله إلا الله» وقد ضرب لذلك مثلا. ومعنى مِنْ أَنْفُسِكُمْ أنه أخذ مثلا وانتزعه من أقرب شيء منكم وهي أنفسكم و «من» للابتداء وفي قوله مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ للتبعيض، والثالثة مزيدة لتأكيد الاستفهام الجاري مجرى النفي. والمعنى هل ترضون لأنفسكم أن يكون لكم شركاء من بعض عبيدكم يشاركونكم فيما رزقناكم من الأموال والأملاك فَأَنْتُمْ يعني بسبب ذلك أنتم أيها السادات والعبيد في ذلك المرزوق سَواءٌ من غير تفضيل وففضل للأحرار على العبيد تَخافُونَهُمْ أن تستبدوا بتصرف دونهم كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ أي كما يهاب بعضكم بعضا من الأحرار.
والحاصل أن من يكون له مملوك لا يكون شريكا له في ماله ولا يكون له حرمة كحرمة سيده فكيف يجوز أن يكون عباد الله شركاء له أو شفعاء عنده بغير إذنه؟ وكيف يجوز أن يكون لهم عظمة مثل عظمة الله حتى يعبدوا كعبادته على أن مملوككم ليس مملوكا لكم في الحقيقة ليس إلا اختصاص المبايعة، ولهذا لا حكم لهم عليهم بالقتل والقطع وبالمنع من الفرائض وقضاء الحاجة والنوم. وقد يزول الاختصاص بالبيع والعتق ومملوك الله لا خروج له من ملكه بوجه من الوجوه وفي قوله فِي ما رَزَقْناكُمْ إشارة إلى أن الذي هو لكم ليس في الحقيقة لكم وإنما الله استخلفكم فيه ورزقكموه من فضله كَذلِكَ أي مثل هذا التفصيل والتبعيد للتعظيم أو لدخوله في حيز الذكر أو المضي نُفَصِّلُ الْآياتِ نبينها لِقَوْمٍ