لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ [يونس: ٢٦] ومما يؤيد ما قلنا أنه لم يقل هنا يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة: ٣] لئلا يلزم شبه التكرار، فإن الإحسان لا مزيد عليه في باب العقائد. ثم بين حال المعرضين عن الحق بقوله وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ الإضافة بمعنى «من» أي الحديث الذي هو لهو ومنكر. وجوز في الكشاف أن تكون «من» للتبعيض أي يشتري بعض الحديث الذي هو اللهو منه وفيه نظر، لأنه يصح هذا التأويل في قولنا «خاتم فضة» وليس بمشهور. قال المفسرون: نزلت في النضر بن الحرث وكان يتجر إلى فارس فيشتري كتب الأعاجم فيحدث بها قريشا. وقيل: كان يشتري المغنيات فلا يظفر بأحد يريد الإسلام إلا انطلق به إلى قينته فيقول: أطعميه واسقيه وغنيه ويقول: هذا خير مما يدعوك محمد إليه من الصلاة والصيام وأن تقاتل بين يديه. فعلى هذا معنى لِيُضِلَّ بضم الياء ظاهر، ومن قرأ بالفتح فمعناه الثبات على الضلال أو الإضلال نوع من الضلال. وقوله بِغَيْرِ عِلْمٍ متعلق ب يَشْتَرِي كقوله فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ [البقرة: ١٦] أي للتجارة قاله في الكشاف وغيره. ولا يبعد عندي تعلقه بقوله لِيُضِلَّ كما قال وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ [النحل: ٢٥] قال المحققون: ترك الحكمة والاشتغال بحديث آخر قبيح، وإذا كان الحديث لهوا لا فائدة فيه كان أقبح. وقد يسوغه بعض الناس بطريق الإحماض كما ينقل عن ابن عباس أنه قال أحمضوا.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم «روّحوا القلوب ساعة فساعة»
والعوام يفهمون منه الترويح بالمطايبة وإن كان الخواص يحملونه على الاشتغال بجانب الحق
كقوله «يا بلال روّحنا»
ثم إنه إذا لم يقصد به الإحماض بل يقصد به الإضلال لم يكن عليه مزيد في القبح ولا سيما إذا كان مع اشتغاله بلهو الحديث مستكبرا عن آيات الله التي هي محض الحكمة كما قال وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً ومحل كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً نصب على الحال قال جار الله: الأولى حال من ضمير مُسْتَكْبِراً والثانية من لَمْ يَسْمَعْها قلت:
هذا بناء على تجويز الحال المتداخلة وإلا فمن الجائز أن يكون كل منهما ومُسْتَكْبِراً حالا من فاعل وَلَّى أي مستكبرا مشابها لمن لم يسمعها مشابها لمن في أذنيه وقر. وجوز أن يكونا مستأنفين وتقدير كأن المخففة كأنه والضمير للشأن، قال أهل البرهان: هذه الآية والتي في الجاثية نزلتا باتفاق المفسرين في النضر إلا أنه بالغ هاهنا في ذمه لتركه استماع القرآن فقال بعد قوله كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً أي صمما لا يقرع مسامعه صوت، فإن عدم السماع أعم من أن يكون بوقر الأذن أو بنحو غفلة. وترك الجملة الثانية في «الجاثية» لأنه لم يبن الكلام هنالك على المبالغة بدليل قوله وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً [الجاثية: ٩] والعلم لا يحصل إلا بالسماع أو ما يقوم مقامه من خط وغيره. وحين بين