واظب على ما أنت عليه من التقوى ولو أريد الازدياد جاز لأن التقوى باب لا يبلغ آخره ولا يأمن أحد أن يصدر عنه ما لا يوافق التقوى ولا يطابق الدعوى ولهذا جاء قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ [الكهف: ١١٠] يعني إنما يرفع عني الحجاب فينكشف لي الوحي، وإذا أرخى لدي الستر فإني كهيئتكم.
يروى أنه صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة وكان يحب إسلام يهود قريظة والنضير وغيرهم وقد تابعه ناس منهم على النفاق كان يلين لهم جانبه ويكرم صغيرهم وكبيرهم فنزلت.
وروي أن أبا سفيان بن حرب وأشياعه قدموا المدينة أيام المصالحة فقالوا:
يا رسول الله ارفض ذكر آلهتنا وندعك وربك، فشق ذلك على المؤمنين فهموا بقتلهم فنزلت.
أي اتق الله في نقض العهد. وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ من أهل مكة وَالْمُنافِقِينَ من أهل المدينة فيما طلبوا إليك وكانوا يقولون له أن يعطوه شطر أموالهم إن رجع عن دينه.
إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً بالصواب حَكِيماً فيما أمرك به من عدم اتباع آرائهم وأهوائهم، وحين نهاه عن اتباع الغي أمره باتباع ما هو رشد وصلاح وهو القرآن، وبأن يثق بالله ويفوّض إليه أموره فلا يخاف غيره ولا يرجو سواه. ولما أمر رسوله بما أمر من اتقاء الله وحده وقد ابتدر منه صلى الله عليه وسلم في حكاية زينب زوجة دعيه زيد ما ابتدر قال على سبيل المثل ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ كأنه قال: يا أيها النبي اتق الله حق تقاته وهو أن لا يكون في قلبك تقوى غير الله فإن المرء ليس له قلبان حتى يتقي بأحدهما الله وبالآخر غيره كما جاء في قصة زيد وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ ثم أراد أن يدفع عنه مقالة الناس بأنه تعالى لم يجعل دعي المرء ابنه فقدم على ذلك مقدمة وهي قوله وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ إلى آخرها أي إنكم إذا قلتم لأزواجكم: أنت عليّ كظهر أمي لا تصير أما بإجماع الكل، أما في الإسلام فإنه ظهار لا يحرم الوطء كما سيجيء في سورة المجادلة. وأما في الجاهلية فلأنه كان طلاقا حتى كان يجوز للزوج أن يتزوج بها ثانيا. فكذلك قول القائل للدعيّ إنه ابني لا يوجب كونه ابنا فلا تصير زوجته زوجة الابن، فلم يكن لأحد أن يقول في ذلك شيئا، فلم يكن لخوفك من الناس وجه ولو كان أمرا مخوفا ما كان يجوز أن تخاف غير الله إذ ليس لك قلبان في الجوف. والفائدة في ذكر هذا القيد كالفائدة في قوله الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج:
٤٦] من زيادة التصوير للتأكيد. ومعنى ظاهر من امرأته قال لها: أنت علي كظهر أمي. كأنه قال: تباعدي مني بجهة الظهار. وعدى ب «من» لتضمين معنى التباعد. وإنما كنوا عن البطن بالظهر لئلا يذكروا البطن الذي يقارب الفرج فكنوا عنه بالظهر الذي يلازمه لأنه عموده وبه قوامه. وقيل: إن إتيان المرأة في قبلها من جانب ظهرها كان محذورا عندهم زعما منهم بأن الولد حينئذ يجيء أحول، فلقصد التغليظ شبهها المطلق منهم بالظهر، ثم لم يقنع بذلك