للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً أي غير ظافرين بشيء من مطالبهم التي هي عندهم خير من كسر أو أسر أو غنيمة. وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ بواسطة ريح الصبا وبإرسال الملائكة كما قصصنا وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهروا الأحزاب مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ والصيصية ما تحصن به ومنه يقال لقرن الثور والظبي ولشوكة الديك التي في ساقه صيصية لأن كلا منها سبب التحصن به.

روي أن جبرائيل عليه السلام أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة الليلة التي انهزم فيها الأحزاب على فرسه الحيزوم والغبار على وجه الفرس وعلى السرج فقال: ما هذا يا جبرائيل؟ فقال: من متابعة قريش: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح الغبار عن وجه الفرس وعن سرجه فقال: يا رسول الله إن الملائكة لم تضع السلاح إن الله يأمرك بالمسير إلى بني قريظة وأنا عائد إليهم فإن الله داقهم دق البيض على الصفا، وإنهم لكم طعمة. فأذن في الناس ان من كان سامعا مطيعا فلا يصلي العصر إلا في بني قريظة، فما صلى كثير من الناس العصر إلا هناك بعد العشاء الآخرة فحاصرهم خمسا وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: تنزلون على حكمي. فأبوا فقال: على حكم سعد بن معاذ فرضوا به، فقال سعد: حكمت فيهم أن تقتل مقاتلهم وتسبى ذراريهم ونساؤهم، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:

لقد حكمت بحكم الله من فوق سبعة أرقعة ثم أنزلهم وخندق في سوق المدينة خندقا فقدمهم وضرب أعناقهم وهم ثمانمائة إلى تسعمائة.

وقيل كانوا ستمائة مقاتل وسبعمائة أسير. وإنما قدم مفعول تَقْتُلُونَ لأن القتل وقع على الرجال وكانوا مشهورين، وكان الاعتناء بحالهم أشد ولم يكن في المأسورين هذا الاعتناء بل بقاؤهم هناك بالأسر أشد لأنه لو قال و «فريقا تأسرون» فإذا سمع السامع قوله «وفريقا» ربما ظن أنه يقال بعده يطلقون أو لا يقدرون على أسرهم ولمثل هذا قدم قوله وَأَنْزَلَ على قوله وَقَذَفَ وإن كان قذف الرعب قبل الإنزال وذلك أن الاهتمام والفرح بذكر الإنزال أكثر.

وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ التي استوليتم عليها ونزلتم فيها أولا وَدِيارَهُمْ التي كانت في القلاع فسلموها إليكم وَأَمْوالَهُمْ التي كانت في تلك الديار وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها قيل: هي القلاع أنفسها. وعن مقاتل: هي خيبر. وعن قتادة: كنا نحدّث أنها مكة. وعن الحسن:

فارس والروم. وعن عكرمة: كل أرض تفتح إلى يوم القيامة. وعن بعضهم: أراد نساؤهم وهو غريب. ثم أكد الوعد بفتح البلاد بقوله وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً قال أهل النظم: إن مكارم الأخلاق ترجع أصولها إلى أمرين: التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله وإليها الإشارة

بقوله عليه السلام «الصلاة وما ملكت أيمانكم» «١»

ولما أرشد نبيه إلى القسم


(١) رواه ابن ماجة في كتاب الوصايا باب ١. أحمد في مسنده (١/ ٧٨) (٣/ ١١٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>