بفتح القاف أمر من القرار بإسقاط أحد حرفي التضعيف كقوله فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ [الواقعة:
٦٥] وأصله «اقررن» . من قرأ بكسرها فهو أمر من قر يقر قرارا أو من قر يقر بكسر القاف.
وقيل: المفتوح من قولك قار يقار إذا اجتمع. والتبرج إظهار الزينة كما مر في قوله غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ [النور: ٦٠] وذلك في سورة النور. والجاهلية الأولى هي القديمة التي كانت في أول زمن إبراهيم عليه السلام، أو ما بين آدم ونوح، أو بين إدريس ونوح، أو في زمن داود وسليمان. والجاهلية الأخرى ما بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم. وقيل: الأولى جاهلية الكفر، والأخرى الفسق والابتداع في الإسلام. وقيل: إن هذه أولى ليست لها أخرى بل معناه تبرج الجاهلية القديمة، وكانت المرأة تلبس درعا من اللؤلؤ فتمشي وسط الطريق تعرض نفسها على الرجال. ثم أمرهن أمرا خاصا بالصلاة والزكاة ثم عاما في جميع الطاعات، ثم علل جميع ذلك بقوله إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ فاستعار للذنوب الرجس، وللتقوى الطهر. وإنما أكد إزالة الرجس بالتطهير لأن الرجس قد يزول ولم يطهر المحل بعد وأَهْلَ الْبَيْتِ نصب على النداء أو على المدح وقد مر في آية المباهلة أنهم أهل العباء النبي صلى الله عليه وسلم لأنه أصل، وفاطمة رضي الله عنهما والحسن والحسين رضي الله عنهما بالاتفاق. والصحيح أن عليا رضي الله عنه منهم لمعاشرته بنت النبي صلى الله عليه وسلم وملازمته إياه.
وورود الآية في شأن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يغلب على الظن دخولهن فيهن، والتذكير للتغليب.
فإن الرجال وهم النبي وعلي وأبناؤهم غلبوا على فاطمة وحدها أو مع أمهات المؤمنين. ثم أكد التكاليف المذكورة بأن بيوتهن مهابط الوحي ومنازل الحكم والشرائع الصادرة من مشرع النبوة ومعدن الرسالة. ثم ختم الآية بقوله إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً إيذانا بأن تلك الأوامر والنواهي لطف منه في شأنهن وهو أعلم بالمصطفين من عبيده المخصوصين بتأييده.
يروى أن أم سلمة أو كل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قلن: يا رسول الله ذكر الله الرجال في القرآن ولم يذكر النساء فنحن نخاف أن لا يقبل منا طاعة فنزلت إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ
وذكر لهن عشر مراتب: الأولى التسليم والانقياد لأمر الله، والثانية الإيمان بكل ما يجب أن يصدّق به فإن المكلف يقول أولا كل ما يقول الشارع فأنا أقبله فهذا إسلام، فإذا قال له شيئا وقبله صدق مقالته وصحح اعتقاده. ثم إن اعتقاده يدعوه إلى الفعل الحسن والعمل الصالح فيقنت ويعبد وهو المرتبة الثالثة، ثم إذا آمن وعمل صالحا كمل غيره ويأمر بالمعروف وينصح أخاه فيصدق في كلامه عند النصيحة وهو المراد بقوله وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ ثم إن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر يصيبه أذى فيصبر عليه كما قال في قصة لقمان وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ [الآية: ١٧] أي بسببه. ثم إنه إذا كمل في نفسه وكمل غيره قد يفتخر بنفسه