للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخالف الدليل ضل ضلالا لا يرعوي بعده.

ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبصر زينب ذات يوم بعد ما أنكحها زيدا فوقعت في نفسه فقال: سبحان الله مقلب القلوب،

وذلك أنه صلى الله عليه وسلم لم يردها أولا، لعله أي لم يلده إلخ تأمل ولو أرادها لاختطبها.

وسمعت زينب بالتسبيحة فذكرتها لزيد ففطن وألقى الله في نفسه كراهة صحبتها والرغبة عنها لأجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أريد أن أفارق صاحبتي. فقال: ما لك أرى بك شيء منها؟ قال: لا والله ما رأيت منها إلا خيرا ولكنها تتكبر عليّ لشرفها. فقال له: أمسك عليك زوجك واتق الله ثم طلقها بعد. فلما اعتدت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أجد أحدا أوثق في نفسي منك اخطب عليّ زينب. قال زيد:

فانطلقت فإذا هي تخمر عجينها فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إليها حين علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها فوليتها ظهري وقلت: يا زينب أبشري إن رسول الله يخطبك. ففرحت وقالت: ما أنا بصانعة شيئا حتى أؤامر ربي. فقامت إلى مسجدها ونزل القرآن فتزوّجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل بها، وما أولم على امرأة من نسائه ما أولم عليها، ذبح شاة وأطعم الناس الخبز واللحم حتى امتد النهار

ولنرجع إلى ما يتعلق بتفسير الألفاظ. قوله لِلَّذِي يعني زيدا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بالإيمان الذي هو أجل النعم وبتوفيق الأسباب حتى تبناه رسوله وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أي بالإعتاق وبأنواع التربية والاختصاص. وقوله وَاتَّقِ اللَّهَ أي في تطليقها فلا تفارقها. نهي تنزيه لا تحريم، أو أراد اتق فلا تذمها بالنسبة إلى الكبر وإيذاء الزوج. والذي أخفى النبي صلى الله عليه وسلم في نفسه هو تعلق قلبه بها أو مودّة مفارقة زيد إياها أو علمه بأن زيدا سيطلقها. وعن عائشة لو كتم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا مما أوحي إليه لكتم هذه الآية، وذلك أن فيه نوع تخالف الظاهر والباطن في الظاهر وليس كذلك في الحقيقة، لأن ميل النفس ليس يتعلق باختيار الآدمي فلا يلام عليه، ولا هو مأمور بإبدائه. والذي أبداه كان مقتضى النصح والإشفاق والخشية والحياء من قالة الناس إن قلب النبي مال إلى زوجة دعيه فبهذا القدر عوتب بقوله وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فإن حسنات الأبرار سيئات المقربين. فلعل الأولى بالنبيّ أن يسكت عن إمساكه حذرا من عقاب الله على ترك الأولى كما سكت عن تطليقه حياء من الناس. قال جار الله: الواوات في قوله وَتُخْفِي وَتَخْشَى وَاللَّهُ للحال. ويجوز أن تكون للعطف كأنه قيل: وإذ تجمع بين قولك أمسك وإخفاء خلافه وخشية الناس وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ حتى لا تفعل مثل ذلك.

قوله فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها حاجته ولم يبق له فيها رغبة وطلقها وانقضت عدتها زَوَّجْناكَها نفيا للحرج عن المؤمنين في مثل هذه القضية فإن الشرع كما يستفاد من قول النبي صلى الله عليه وسلم يستفاد من فعله أيضا، بل الثاني يؤكد الأول. ألا ترى أنه لما ذكر ما فهم منه حلّ

<<  <  ج: ص:  >  >>