للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمرت بك وقد بقيت في عمرك ساعة. فدعا الشياطين فبنوا عليه صرحا من قوارير ليس له باب؟ فقام يصلي متكئا على عصاه فقبض روحه فبقي كذلك وظن جنوده أنه في العبادة فكانوا يواظبون على الأعمال الشاقة إلى أن أكلت الأرضة عصاه فخرّ ميتا وذلك بعد سنة.

والأرض مصدر أرضت الخشبة أرضا إذا أكلتها الأرضة. والمنسأة العصا لأنه ينسأ بها أي يطرد ويؤخر، وقد يترك همزها. وقرىء من سأته أي طرف عصاه سميت بسأة القوس على الاستعارة. وتبينت بمعنى ظهرت «وأن» مع صلتها بدل من الجن بدل الاشتمال على نحو قولك «تبين زيد جهله» أو هو بمعنى علمت أي علم الجن كلهم بعد التباس الأمر على عامتهم أن كبارهم لا يعلمون الغيب وكان ادعاؤهم ذلك من قبل زورا. أو المراد التهكم بهم وأن الذين ادّعوا منهم علم الغيب اعترفوا بعجزهم مع أنهم كانوا من قبل عارفين عجزهم كما لو قلت لمدعي الباطل إذا دحضت حجته: هل تبينت أنك مبطل. وأنت تعلم أنه لم يزل متبينا لذلك. وكان عمر سليمان ثلاثا وخمسين سنة، ملك وهو ابن ثلاث عشرة وبقي في ملكه إلى أن مات، وابتدأ بناء بيت المقدس لأربع مضين من ملكه. ولما بين حال الشاكرين لأنعمه ذكر حال من كفر النعمة. وسبأ بصرف بناء على أنه اسم للحي أو الأب الأكبر، ولا يصرف بتأويل القبيلة وهو سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. ثم سميت مدينة مأرب بسبأ، وبينها وبين صنعاء مسيرة ثلاث. من قرأ مساكنهم فظاهر. ومن قرأ على التوحيد فالمراد مسكن كل واحد منهم أو موضع سكناهم وهو بلدهم وأرضهم. عن الضحاك: كانوا في الفترة التي بين عيسى ومحمد عليهما السلام. ومعنى كون الجنتين آية أنه جعل قصتهما عبرة لأهل الكفران، أو علامة دالة على الصانع وكمال اقتداره ووجوب شكره. قال جار الله: لم يرد بستانين اثنين فحسب وإنما أراد جماعتين من البساتين: جماعة عن يمين بلدهم وأخرى عن شمالها، كأن كل واحدة من الجماعتين في تقاربها وتضامها جنة واحدة، أو أراد بستاني كل رجل منهم عن يمين مسكنه وشماله كقوله جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ [الكهف: ٣٢] .

وقوله كُلُوا مِنْ رِزْقِ حكاية لسان الحال أو لسان الأنبياء المبعوثين إليهم وهم ثلاثة عشر نبيا على ما روي. وفيه إشارة إلى كمال النعمة حيث لم يمنعهم من أكل ثمارها خوف ولا مرض. وكذا قوله وَاشْكُرُوا لَهُ لأن الشكر لا يطلب إلا على النعمة المعتبرة. وكذا قوله بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ أي عن المؤذيات من العقارب والحيات وسائر الهوام والحشرات، أو المراد أنها ليست بسبخة كقوله وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ [الأعراف: ٥٨] وَرَبٌّ غَفُورٌ أي ربكم الذي رزقكم فطلب شكركم غفور لمن يشكره بقدر طاقته لا يؤاخذه بالتقصير في أداء حق

<<  <  ج: ص:  >  >>