والتقابل مرعي من حيث المعنى والمراد أن كل ما هو وبال على النفس وضارّ لها فهو بها وبسببها لأنها الأمارة بالسوء وما لها مما ينفعها فبهداية ربها وتوفيقه. وإنما أمر رسوله أن يسنده إلى نفسه لأن الرسول إذا دخل تحته مع جلالة محله وسداد طريقته كان غيره أولى به إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ يدرك قول كل ضال ومهتد وفعله لا يعزب عنه منهما شيء، وفيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا دعاه على من يكذبه أجابه ليس كمن يسمع من بعيد ولا يلحق الداعي. ثم عجب نبيه أو كل راء من مآل حال أهل العناد بقوله وَلَوْ تَرى وجوابه محذوف أي لرأيت أمرا عظيما. والأفعال الماضية التي هي فَزِعُوا وَأُخِذُوا وَقالُوا وَحِيلَ كلها من قبيل وَنادى [الأعراف: ٤٨] وَسِيقَ [الزمر: ٧٣] ووقت الفزع وقت البعث أو الموت أو يوم بدر. وعن ابن عباس: نزلت في خسف البيداء وهم ثمانون ألفا أرادوا غزو الكعبة وتخريبها فخسف بهم حين دخلوا البيداء فَلا فَوْتَ أي فلا يفوتون الله ولا يسبقونه.
والأخذ من مكان قريب هو من الموقف إلى النار، أو من ظهر الأرض إلى بطنها، أو من صحراء بدر إلى القليب، أو من تحت أقدامهم إلى الأرض. وجوّز جار الله أن يعطف وَأُخِذُوا على فَلا فَوْتَ على معنى إذ فزعوا فلم يفوتوا وأخذوا. ثم بين أنهم سيؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم أو بالقرآن أو بالحق حين لا ينفع الإيمان وذلك قوله وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ وهو تناول سهل لشيء قريب مثلت حالهم بحال من يريد أن يتناول الشيء من بعيد كما يتناوله الآخر من قريب تناولا سهلا لا تعب فيه، أو أراد أن تناولهم التوبة وإيمانهم في الآخرة بعيد عن الدنيا فإن أمس الدابر لا يعود وإن كانت الآخرة قريبة من الدنيا ولهذا سماها الله الساعة وكل ما هو آت قريب. وعن أبي عمرو: التناؤش بالهمز التناول من بعد من قولهم: نأشت بالهمزة أي أبطأت وتأخرت. والأصح أنه من النوش كما مر همزت الواو المضمومة كما همزت في أجوه. وقيل: التناوش بلغة اليمن التذكرة قاله أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب في كتاب «المدخل في تفسير القرآن» والضمير في قوله وَقَدْ كَفَرُوا عائد إلى ما يعود إليه في قوله آمَنَّا بِهِ.
قوله وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ فيه وجوه أحدها: أنه قولهم في رسول الله صلى الله عليه وسلم شاعر ساحر وهذا تكلم بالأمر الخفي وقد أتوا به من جهة بعيدة عن حاله لأنهم قد عرفوا منه الأمانة والصدق لا الكذب والزور. وثانيها: أخذوا الشريك من حالهم في العجز فإنهم يحتاجون في الأمور العظام إلى التعاون فقاسوا الأمر الإلهي عليه. وثالثها: أنهم قاسوا قدرة الله على قدرتهم عجزوا عن إحياء الموتى فظنوا أن الله لا يقدر على البعث، وقياس الخالق على المخلوق بعيد المأخذ. ورابعها: قاسوا أمر الآخرة على الدنيا قائلين إن كان الأمر كما