للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يقطعه إلا الله ولهذا لا يخرج أهل الجنة من الجنة وقد يخرج أهل النار من النار وَهُوَ الْعَزِيزُ الغالب على إرسال الرحمة وإمساكها الْحَكِيمُ الذي لا يمسك ولا يرسل إلا عن علم كامل وصلاح شامل. وحيث بين أن الحمد لله وبين بعض وجوه النعمة المستدعية للحمد على التفصيل أمر المكلفين بتذكر النعمة على الإجمال لسانا وقلبا وعملا، ومنه قول الرجل لمن أنعم عليه: اذكر أياديّ عندك يريد حفظها وشكرها والعمل بموجبها. وعن ابن عباس: أن الناس أهل مكة أسكنهم حرمه ويتخطف الناس من حولهم. وعنه أيضا أنه أراد بالنعمة العافية، والظاهر تعميم النعمة والمنعم عليهم. ثم أشار إلى نعمة الإيجاد بقوله هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ وإلى نعمة الإبقاء بقوله يَرْزُقُكُمْ وهو نعت خالق أو مستأنف أو تفسير لمضمر والتقدير: هل يرزقكم خالق يرزقكم؟ قال جار الله: إن جعلت يَرْزُقُكُمْ كلاما مستأنفا ففيه دليل على أن الخالق لا يطلق إلا على الله عز وجل. وأما على الوجهين الآخرين فلا، إذ لا يلزم من نفي خالق رازق غيره نفي خالق غيره مطلقا. وقوله لا إِلهَ إِلَّا هُوَ جملة مفصولة لا محل لها مثل يَرْزُقُكُمْ

في غير وجه الوصف إذ لو جعلت وصفا لزم التناقض لأن قولك «هل من خالق آخر سوى الله» إثبات لله، ولو جعلت المنفية وصفا صار تقدير الكلام: هل من خالق آخر سوى الله لا إله إلا ذلك الخالق فلزم نقض الإثبات المذكور مع أن الكلام في نفسه يكون غير مستقيم. فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ أي كيف تصرفون عن هذا الظاهر فتشركون المنعوت بمالك الملك والملكوت. وحين بيّن الأصل الأول وهو التوحيد ذكر الأصل الثاني وهو الرسالة بقوله وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ الآية. والمراد إن يكذبوك فتسل بهذا المعنى. ثم بين الأصل الثالث وهو الحشر بقوله يا أَيُّهَا النَّاسُ وقد مرّ مثل الآية في آخر سورة لقمان. وقد يسبق إلى الظن هاهنا أن الغرور وهو الشيطان لأنه عقبه بقوله إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا لأن الحازم لا يقبل قول العدوّ ولا يعتمد عليه. ثم صرح بوجه اتخاذه وبعاقبة دعوته فقال إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ ثم فصل مال حال حزبه وحزب الله بقوله الَّذِينَ كَفَرُوا إلى قوله وَأَجْرٌ كَبِيرٌ عرض على العقول أنه لا سواء بين الحزبين والمعنى أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ من الفريقين كمن لم يزين له. ولا ريب أن المزين لهم عملهم هم أهل الأهواء والبدع الذين لا مستند لهم في مأخذهم سوى التقليد واتباع الهوى. ثم أنتج من ذلك قوله فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وذلك أن الناس متساوية الأقدام في الإنسانية ومتفاوتة الأحوال في الأعمال، فتبين أنه لا استقلال، وأن أفعال العباد مستندة إلى إزادة مصرف القلوب والأحوال. ثم رتب على عدم الاستقلال قوله فَلا تَذْهَبْ أي فلا تهلك نَفْسُكَ وعَلَيْهِمْ صلة تذهب كما تقول هلك عليه حبا أو هو بيان للمتحسر عليه ولا يتعلق ب حَسَراتٍ المفعول

<<  <  ج: ص:  >  >>