للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العبارة في هذا المقام لمزيد هذه الفائدة والله أعلم. وفي قوله يُحَلَّوْنَ فِيها إشارة إلى سرعة الدخول فإن في تحليتهم خارج الجنة تأخيرا للدخول. وفي تحليتهم بالسوار إشارة إلى أمرين: أحدهما الترفه والتنعم، الثاني أنهم لا يحتاجون فيها إلى عمل من الطبخ وتهيئة سائر الأسباب. قال جار الله: أي يحلون بعض أساور من ذهب كأنه بعض سابق لسائر الأبعاض كما سبق المسوّرون به غيرهم، والذهب واللؤلؤ إشارة إلى النوعين اللذين منهما الحليّ. وقيل: إن ذلك الذهب في صفاء اللؤلؤ، والحزن للجنس فيعم كل حزن من أحزان الدنيا والدين كما

روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم ولا في محشرهم وكأني بأهل لا إله إلا الله يخرجون من قبورهم وهم ينفضون التراب عن وجوههم ويقولون الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن»

وقد خصه جمع من المفسرين بخوف سوء العاقبة أو بحزن الآفات أو بحزن الموت أو بهمّ المعاش حتى قال بعضهم: كراء الدار والتعميم أولى. والمقامة بمعنى الإقامة والفضل التفضل. وعند المعتزلة العطاء لأن الثواب أجر مستحق واجب عندهم. والنصب التعب والمشقة التي تصيب المزاول للأمر المنتصب له. واللغوب ما يلحقه من الفتور والكلال بعد ذلك قاله جار الله. وقال غيره: إن الذي يباشر عملا من الأعمال لا يظهر عليه الإعياء إلا بعد أن يستريح، فالمراد أنهم لا يخرجون من الجنة إلى موضع يتعبون بسبب ذلك ثم يلحقهم الإعياء بعد الرجوع.

ثم عطف قوله وَالَّذِينَ كَفَرُوا على قوله إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ وقوله فَيَمُوتُوا جواب للنفي والتقدير لا يقضي عليهم بالموت فيستريحوا ويَصْطَرِخُونَ يفتعلون من الصراخ وهو الصياح بجهد وشدّة كشأن المستغيث. وفائدة قوله غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ زيادة التحسر على ما عملوه من غير الصالح، أو المراد نعمل صالحا غير الذي كنا نحسبه صالحا لأنهم كانوا يحسبون أنهم يحسنون. وفيه إشارة إلى أنهم في الآخرة أيضا ضالون لم يهدهم الله في الآخرة كما لم يهدهم في الدنيا، ولو كانوا مهتدين لقالوا: ربنا زدت للمحسنين حسنات بفضلك لا بعملهم ونحن أحوج إلى تخفيف العذاب منهم إلى تضعيف الثواب فافعل بنا ما أنت أهله نظرا إلى فضلك، ولا تفعل بنا ما نحن أهله نظرا إلى عدلك، وانظر إلى مغفرتك الهاطلة ولا تنظر إلى معذرتنا الباطلة. وهذا بخلاف حال المؤمن هداه في العقبى كما هداه في الدنيا حتى دعاه بأقرب دعاء إلى الإجابة، وأثنى عليه بأطيب ثناء عند الإنابة فقالوا الْحَمْدُ لِلَّهِ وقالوا إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ اعترافا بتقصيرهم شَكُورٌ إقرارا بوصول ما لم يخطر ببالهم إليهم وأحالوا الكل إلى فضله تصريحا بأنه لا عمل لهم بالنسبة إلى بحار نعمه. قوله أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ استفهام فيه توبيخ وإفحام وهو متناول لكل عمر

<<  <  ج: ص:  >  >>