للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَزُولا

أو كراهة زوالهما عن مقرهما ومركزهما، ولو فرض زوالهما بأمر الله فلن يمسكهما أحد من بعد زوالهما أو من بعد الله. وقيل: أراد أنهما كانتا جديرتين بأن تهدّ هدّا لعظم كلمة الشرك كقوله تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ [مريم: ٩٠] يؤيد هذا الوجه قوله إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غير معاجل بالعقوبة غَفُوراً لمن تاب من الشرك. قال المفسرون: بلغ قريشا قبل مبعث رسول الله أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم فقالوا: لعن الله اليهود والنصارى أتتهم رسلهم فكذبوا فو الله لئن أتانا رسول لكنا أهدى. وزيف هذا النقل بأن المشركين كانوا منكرين للرسالة والحشر فكيف اعترفوا بأن اليهود والنصارى جاءهم رسل. سلمنا لكنهم كيف عرفوا تكذيب اليهود وتحريفهم ولم يأتهم رسول ولا كتاب؟ فالوجه الصحيح في سبب النزول أنهم كانوا يقولون: لو جاءنا رسول لم ننكره وإنما ينكرون كون محمد صلى الله عليه وسلم رسولا لأنه كاذب، ولو صح كونه رسولا لآمنا. وقوله مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ ليس للتفضيل بل المراد أنا نكون أهدى مما نحن عليه ونكون من إحدى الأمم كقولك: زيد من المسلمين. أو هو للتفضيل والأمم لتعريف العهد أي أمة محمد وموسى وعيسى عليهم السلام، أو للعموم أي أهدى من أيّ أمة تفرض ويقال فيها إحدى الأمم تفضيلا لها على غيرها في الهدى والاستقامة. فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ هو محمد صلى الله عليه وسلم الذي صح لهم نذارته بالمعجزات الباهرة ما زادَهُمْ هو أو مجيئه إِلَّا نُفُوراً كأنه صار سببا في نفارهم عن الحق عنادا وكبرا فانتصب اسْتِكْباراً على أنه مفعول لأجله أو حال ويجوز أن يكون بدلا من نُفُوراً وقوله وَمَكْرَ من إضافة المصدر إلى صفة معموله أصله وأن مكروا السيء أي المكر السيء، والمكر هو مكرهم بالنبي صلى الله عليه وسلم من الهمّ بالقتل والإخراج وقد حاق بهم يوم بدر، أو هو عام وعاقبة الماكر وخيمة يصل إليه جزاؤه عاجلا أو آجلا.

عن النبي صلى الله عليه وسلم «لا تمكروا ولا تعينوا ماكرا فإن الله يقول ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله» . وفي أمثالهم «من حفر لأخيه جبا وقع فيه منكبا» .

وفي قوله بِأَهْلِهِ دون أن يقول «إلا بالماكر إشارة إلى أن الرضا بالمكر والإعانة عليه كهو فيندرج مصاحبه في زمرة أهل المكر. وقوله سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ من إضافة المصدر إلى المفعول. وقوله لِسُنَّتِ اللَّهِ من إضافته إلى الفاعل والمراد بها إنزال العذاب على أمثالهم من مكذبي الرسل، جعل استقبالهم لذلك واستعجالهم إياه انتظارا له منهم. والتبديل تغيير الصورة مع بقاء المادة، والتحويل نقل الشيء من مكان إلى مكان آخر. خص هذه السورة بالجمع بين الوصفين لأن كثيرا من أحوال الكفرة جاءت هاهنا مثناة كقوله وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ إلى قوله إِلَّا خَساراً وكقوله إِلَّا نُفُوراً اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ ويحتمل أن يريد بسنة الأوّلين استمرارهم على الإنكار كأنه قال: أنتم تريدون

<<  <  ج: ص:  >  >>