للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شيخ صالح له عجلة فأتى بها الغيضة وقال: اللهم إني أستودعكها لابني حتى يكبر، وكان برا بوالديه، فشبت وكانت من أحسن البقر وأسمنه، فساوموها اليتيم وأمه حتى اشتروها بملء مسكها ذهبا، وكانت البقرة إذ ذاك بثلاثة دنانير، وكانوا طلبوا البقرة الموصوفة أربعين سنة فذبحوها، وأمر موسى عليه السلام أن يأخذوا عضوا منها فيضربوا به القتيل فصار المقتول حيا وسمى لهم قاتله وهو الذي ابتدأ بالشكاية فقتلوه قودا. واعلم أن تأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع بالاتفاق إلا عند مجوّز تكليف ما لا يطاق، وأما تأخيره إلى وقت الحاجة فمختلف فيه، فالمجوزون استدلوا بالآية قالوا: أمروا بذبح بقرة معينة بدليل تعيينها بسؤالهم آخرا، وبدليل أنه لم يؤمر بمتجدد بل المأمور به في الثانية هو المأمور به في الأولى بالاتفاق، وبدليل المطابقة لما ذبح. والمانعون قالوا: معناه اذبحوا أية بقرة شئتم بدليل تنكير بقرة، وهو ظاهر في أن المراد بقرة غير معينة، وبدليل أن ابن عباس قال: لو ذبحوا بقرة ما لأجزأهم، ولكنهم شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم، وبدليل التعنيف في قوله وَما كادُوا يَفْعَلُونَ ولو كانت معينة لما استحقوا التعنيف على السؤال. وأجيب بأن ترك الظاهر يجوز لموجب راجح، وما نقل عن ابن عباس خبر الواحد، والتعنيف يجوز أن يكون لتفريطهم في الامتثال بعد حصول البيان التام. ويتفرع على قول المانعين أن التكليف يكون متغايرا فكلفوا في الأول أيّ بقرة كانت، وثانيا أن تكون لا فارضا ولا بكرا بل عوانا، فلما لم يفعلوا ذلك كلفوا أن تكون صفراء، فلما لم يفعلوا كلفوا أن تكون لا ذلولا تثير الأرض ولا تسقي الحرث. ثم اختلف القائلون بهذا المذهب. منهم من قال في التكليف الواقع أخيرا يجب أن يكون مستوفيا كل صفة تقدمت حتى تكون البقرة مع الصفة الأخيرة لا فارضا ولا بكرا وصفراء فاقعا لونها. ومنهم من يقول: إنما يجب كونها بالصفة الأخيرة فقط، وهذا أشبه بظاهر الكلام إذا كان تكليفا بعد تكليف، وإن كان الأول أشبه بالروايات وبطريقة التشديد عليهم عند ترك الامتثال. وإذا ثبت أن البيان لا يتأخر وأنه تكليف بعد تكليف، دل على أن الأسهل قد ينسخ بالأشق، فإن المربي لولده قد يأمره بالسهل اختبارا، فإذا امتنع الولد منه فقد يرى المصلحة في أن يأمره بالصعب. ويدل أيضا على جواز النسخ قبل الفعل وإن لم يجز قبل وقت الفعل وإمكانه لأدائه إلى البداء، ويدل على وقوع النسخ في شرع موسى عليه السلام، ويدل أيضا على أن الزيادة في الخطاب نسخ له.

أَتَتَّخِذُنا هُزُواً استفهام بطريقة الإنكار، معناه لا تجعلنا مكان هزء أو أهل هزء أو مهزوءا بنا، أو الهزء نفسه لفرط الاستهزاء. كان القوم ظنوا أنه يداعبهم لأنه من المحتمل أن

<<  <  ج: ص:  >  >>