للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنهم يسكنون السموات. وعن ابن عباس: أراد أشراف الملائكة. وعنه: الكتبة من الملائكة. والقذف الرمي بحجر تقول: قذفته بحجر أي رميت إليه حجرا. وقوله مِنْ كُلِّ جانِبٍ أي مرة من هذا الجانب ومرة من هذا الجانب. وقيل: من كل الجوانب. دُحُوراً أي طردا مع صغار مصدر من غير لفظ الفعل، لأن القذف والطرد متغايران كأنه قيل:

يقذفون قذفا أو يدحرون دحورا. ويجوز أن يكون مفعولا له أي لأجل الدحور أو مصدرا في موضع الحال أي مدحورين كقوله مَذْمُوماً مَدْحُوراً [الإسراء: ١٨] وَلَهُمْ أي للشياطين عَذابٌ واصِبٌ دائم وقد مر في النحل في قوله وَلَهُ الدِّينُ واصِباً [النحل:

٥٢] يعني أنهم في الدنيا مرجومون بالشهب ولهم في الآخرة نوع من العذاب غير منقطع إِلَّا مَنْ خَطِفَ في محل الرفع بدلا من الواو في لا يَسَّمَّعُونَ أي لا يسمع إلا الشيطان الذي اختلس الكلمة مسارقة. وقيل: وثب وثبة. وقيل: الاستثناء منقطع خبره فَأَتْبَعَهُ أي أتبعه ورمى في أثره شِهابٌ ثاقِبٌ مضيء أو ماض فإذا قذفوا احترقوا. وقيل: تصيبهم آفة فلا يعودون. وقيل: لا يقتلون بالشهب بل يحس بذلك فلا يرجع ولهذا لا يمتنع غيره من ذلك. وقيل: يصيبهم مرة ويسلمون مرة فصاروا في ذلك كراكبي السفينة للتجارة. وحين بين الوحدانية ودلائلها في أول هذه السورة أراد أن يذكر ما يدل على الحشر والكلام فيه من طريقين: الأوّل أن يقال: قدر على الأصعب فيقدر على الأسهل بالأولى، الثاني قدر في أول الأمر فيقدر في الحالة الثانية. أما الطريق الأوّل فأشار إليه بقوله فَاسْتَفْتِهِمْ أي سل قومك أو صاحبهم وأراد بمن خلقنا ما ذكرنا من الملائكة والسموات والأرض والمشارق والكواكب والشهب والشياطين، وغلب أولي العقل على غيرهم. وقيل: أراد عادا وثمود ومن قبلهم من الأمم الخالية. والقول الأول أقوى بدليل فاء التعقيب ولإطلاق قوله خَلَقْنا اكتفاء ببيان ما تقدمه كأنه قال: خلقنا كذا وكذا من عجائب الخلق، فاستخبرهم أهم أشد خلقا أم هذه الخلائق، ومن هان عليه هذه كان خلق البشر بل إعادته عليه أهون.

وأما الطريق الثاني فإليه الإشارة بقوله إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ أي لازم والباء بدل من الميم عند أكثرهم ولهذا قال ابن عباس: هو الملتصق من الطين الحر. وقال مجاهد والضحاك: هو المنتن. ووجه الاستدلال أن هذا الجسم لو لم يكن قابلا للحياة لم يقبلها من أول الأمر، وإذا قبلها أوّلا فلا يبقى ريب في قبولها ثانيا، وقادرية الله تعالى باقية على حالها فالإعادة أمر ممكن، وقد أخبر الصادق عن وقوعها فيجب وقوعها. وفي هذا الطريق الثاني تقوية للطريق الأوّل، فإن خلقهم من الطين شهادة عليهم بالضعف والرخاوة. ثم بين أنهم مع قيام الحجج الضرورية عليهم مصرون على الإنكار فقال بَلْ عَجِبْتَ من قرأ بفتح التاء فظاهر أي عجبت يا محمد من تكذيبهم وإنكارهم البعث وَهم يَسْخَرُونَ من

<<  <  ج: ص:  >  >>