للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليأخذها لابن صغير له فطارت إلى قريب منه، وهكذا مرة ثانية وثالثة إلى أن وقعت في كوة فتبعها فوقع بصره على امرأة جميلة تغتسل فنقضت شعرها فغطى جسدها فوقع في نفسه منها ما شغله عن الصلاة، فنزل من محرابه ولبست المرأة ثيابها وخرجت إلى بيتها، فخرج داود حتى عرف بيتها وسألها من أنت؟ فأخبرته فقال لها: هل لك زوج؟ فقالت: نعم. قال: أين هو؟ قالت: في جند كذا فرجع وكتب إلى أمير جيشه إذا جاءك كتابي هذا فقدم فلانا في أول التابوت وكان من يتقدم على التابوت لا يحل له أن يرجع حتى يفتح الله على يده أو يستشهد ففتح الله على يده وسلم. فأمر برده مرة ثانية وثالثة حتى قتل، فأتاه خبر قتله فلم يحزن كما كان يحزن على الشهداء، وتزوّج امرأته فبعث الله إليه ملكين في صورة إنسانين فطلبا أن يدخلا عليه فوجداه في يوم عبادته ومنعهما الحرس فتسوّرا عليه المحراب فلم يشعر إلا وهما بين يديه جالسان ففزع منهما، وحين وجد قصتهما مطابقة لحاله علم أنه مبتلى من الله. يروى أنهما قالا حينئذ حكم على نفسه. وقيل: ضحكا وغابا فعلم أن الله ابتلاه بذنبه.

ولا يخفى أن ذنبه بهذا التفسير والتقرير كبيرة لأنه يدل على الإفراط في العشق وعلى السعي في قتل النفس المسلمة بغير حق.

فيروى أنه سجد أربعين ليلة لم يرفع رأسه إلا للصلاة المكتوبة ولم يذق طعاما ولا شرابا حتى أوحى الله إليه أن ارفع رأسك فإني قد غفرت لك.

ويروى أن جبرائيل قال له اذهب إلى أوريا وهو زوج المرأة واستحل منه فإنك تسمع صوته موضع كذا، فأتاه واستحل منه فقال: أنت في حل. قال: فلما رجع قال له جبريل: هل أخبرته بجرمك؟ فقال: لا قال: فإنك لم تعمل شيئا فارجع وأخبره بالذي صنعت. فرجع داود فأخبره بذلك فقال: أنا خصمك يوم القيامة فرجع مغتما وبكى أربعين يوما. فأتاه جبريل وقال: إن الله تعالى يقول: أنا أستوهبك من عبدي فيهبك لي وأجزيه على ذلك أفضل الجزاء فسرى عنه وكان حزينا في عمره باكيا على خطيئته.

وروي أنه نقش خطيئته على كفه حتى لا ينساها.

والمحققون كعلي رضي الله عنه وابن عباس وابن مسعود وغيرهم ينكرون القصة على هذا الوجه.

روى سعيد بن المسيب والحرث بن الأعور أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: من حدثكم بحديث داود على ما يرويه القصاص جلدته مائة وستين وهو حد الفرية على الأنبياء.

قلت: لا يخفى أن الأحوط السكوت عما لا يرجع إلى طائل، بل يحتمل أن يعود إلى قائله لوم عاجل وعقاب آجل.

ومن الدلائل القوية التي اعتمد عليها فخر الدين الرازي في ضعف هذه الرواية قوله سبحانه عقيب ذكر الواقعة يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فمن البعيد جدا أن يوصف الرجل بكونه ساعيا في سفك دم أخيه المسلم بغير حق وبانتزاع زوجته منه ثم يقال:

<<  <  ج: ص:  >  >>