آية، ودلالتها على براءة ساحة من سوى القاتل آية، ودلالتها على حشر الأموات آية، فهي وإن كانت واحدة إلا أنها في الحقيقة آيات عدة. ويمكن أن يراد بالآيات غير هذه أي مثل هذه الإراءة يريكم سائر الإراءات، كما أن مثل هذا الإحياء يحيي سائر الأموات. وفي قوله كَذلِكَ
دون أن يقال كهذا تعظيم للمشار إليه بتبعيده كما قلنا في ذلِكَ الْكِتابُ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
تعملون على قضية عقولكم، فإن من قدر على إحياء نفس واحدة قدر على إحياء الأنفس كلها إذ لا أثر للمخصصات في ذلك. فإن قيل: ما الفائدة في ضرب المقتول ببعض البقرة مع أنه قادر على إحيائه ابتداء؟ قلنا: الفائدة فيه كون الحجة آكد وعن الحيلة أبعد، فقد كان يجوز لملحد أن يتوهم أن موسى عليه السلام إنما أحياه بضرب من السحر، وليعلم بما أمر من مس الميت بالميت وحصول الحياة عقيبه، أن المؤثر هو المسبب لا الأسباب، ولما في ذبح البقرة من القربان وأداء التكليف واكتساب الثواب والإشعار بحسن تقديم القربة على طلب الحوائج، وما في التشديد عليهم لأجل تشديدهم من اللطف لهم وللآخرين في ترك التشديد والمسارعة إلى امتثال أوامر الله على الفور ونفع اليتيم بالتجارة الرابحة، والدلالة على بركة البر بالأبوين والإشفاق على الأولاد، وتجهيل المستهزئ بما لا يعلم تأويله من كلام الحكيم، وبيان أن من حق المتقرب به إلى الرب أن يكون من أحسن ما يتقرب به، فتيّ السن حسن اللون بريئا من العيوب ثمينا نفيسا
«أسمنوا ضحاياكم فإنها على الصراط مطاياكم»
فإن قيل: هلا قدم ذكر القتيل على الأمر بذبح البقرة كما هو حق القصة؟ قلنا: لأنها كانت تكون حينئذ قصة واحدة ويذهب الغرض في ثنية التقريع بالاستهزاء وترك المبادرة بالامتثال أولا، وبقتل النفس المحرمة وما تبعه من الآية ثانيا، على أنها دلت على اتحاد القصتين برجوع الضمير في بِبَعْضِها
إلى البقرة وهي مذكورة في الأولى.
قوله ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ الآية. خطاب لأولئك اليهود الذين كانوا في زمن موسى، أو للذين هم في زمن محمد صلّى الله عليه وسلّم من بعد ذلك الإحياء، أو من بعد ذلك الذي عددنا من جميع الآيات الباهرات والمعجزات الظاهرات. ومعنى «ثم» استبعاد القسوة من بعد ما يوجب اللين والرقة. وصفة القلوب بالقسوة والغلظ مثل لنبوّها عن الاعتبار والاتعاظ فهي كالحجارة مثلها في القسوة، أو هي أشد قسوة من الحجارة. فمن عرفها شبهها بالحجارة أو قال هي أقسى من الحجارة، ويجوز أن يقدر مضاف أي هي كالحجارة أو مثل أشد قسوة.
فمن عرفها شبهها بالحجارة أو بجوهر أقسى من الحجارة كالحديد مثلا. وإنما قيل: أشد قسوة مع إمكان بناء أفعل التفضيل من فعل القسوة، لكونه أدل على فرط القسوة، أو لأنه لم يقصد معنى الأقسى ولكن قصد وصف القسوة بالشدة كأنه قيل: اشتدت قسوة الحجارة