للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تم جفافه جاز له أن يثور عن منابته ويذهب ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً أي فتاتا متكسرا إِنَّ فِي ذلِكَ الذي ذكر من إنزال الماء وإخراج الزرع بسببه لَذِكْرى لتذكيرا أو تنبيها على وجود الصانع لِأُولِي الْأَلْبابِ وفيه أن الإنسان وإن طال عمره فلا بدّ له من الانتهاء إلى حالة اصفرار اللون وتحطم الأجزاء والأعضاء بل إلى الموت والفناء. وإنما قال هاهنا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً وفي الحديد ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً [الحديد: ٢٠] لأن الفعل هناك مسند إلى النبات وهو قوله أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ وهاهنا مسند إلى الله من قوله أَنْزَلَ إلى آخره. وحين بالغ في تقرير البيانات الدالة على وجوب الإقبال على طاعة الله والإعراض عن الدنيا الفانية بيّن أن ذلك البيان لا يكمل الانتفاع به إلا إذا شرح الله صدره ونور قلبه فقال أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ ولا يخفى ما في لفظة «على» من فائدة الاستعلاء والتمكن كما مر في قوله أُولئِكَ عَلى هُدىً [البقرة: ٥] والخبر محذوف كما ذكرنا في قوله أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ يعني هذا الشخص المنشرح الصدر كمن طبع الله على قلبه يدل عليه ما بعده فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أي من أجل سماع القرآن. وإنما عدى ب «من» لأن قسوة القلب تدل على خلوه من فوائد القرآن ويجوز أن يكون «من» للتعليل وذلك أن جواهر النفوس مختلفة فبعضها تكون مشرقة بنور الله يزيدها نور القرآن بهاء وضياء، وبعضها تكون مظلمة كدرة لا ينعكس نور الذكر إليها ولا تظهر صور الحق فيها كالمرآة الصدئة. ثم أكد وصف القرآن وكيفية تأثيره في النفوس بقوله اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ

عن ابن عباس وابن مسعود أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ملوا ملة فقالوا له: حدثنا، فنزلت الآية.

والحديث كلام يتضمن الخبر عن حال متقدمة ووصفه بالحدوث من حيث النزول لا ينافي قدمه من حيث إنه كلام نفسي. ووجه كونه أحسن لفظا ومعنى مما لا يخفى على ذي طبع فضلا عن ذي لب. وقوله كِتاباً بدل من أحسن أو حال موطئة. ومعنى مُتَشابِهاً أنه يشبه بعضه بعضا في الإعجاز اللفظي والمعنوي والنظم الأنيق والأسلوب العجيب والاشتمال على الغيوب وعلى أصول العلوم كما مر في أوّل «البقرة» في تفسير قوله وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ [البقرة: ٢٣] وقيل: هو من قوله وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ [آل عمران: ٧] فيكون صفة لبعض القرآن. وقيل:

يشبه اللفظ اللفظ والمعنى مختلف. وقوله مَثانِيَ جميع مثنى ومثنى بمعنى مكرر لما ثنى من قصصه وأحكامه ومواعظه، أو لأنه يثني في التلاوة فلا يورث ملالا

كقوله «ولا يخلق على كثرة الرد» «١»

وقيل: المثاني لآي القرآن كالقوافي للشعر. وقد مر بعض هذه الأقوال في مقدمات الكتاب وفي سورة الحجر في قوله وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي [الحجر: ٨٧]


(١) رواه الترمذي في كتاب ثواب القرآن باب ١٤. الدارمي في كتاب فضائل القرآن باب ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>