جعله رجلا ليكون أفطن لما شقي به أو سعد فان المرأة والصبي قد يغفلان عن ذلك. قلت:
لا ريب أن الرجل أصل في كل باب فجعله مضرب المثل أولى نظيره وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ [النحل: ٧٦] ثم استفهم على سبيل الإنكار بقوله هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا وهو تمييز أي هل يستوي حالاهما وصفتاهما. واقتصر في التمييز على الواحد لقصد الجنس والمراد تجهيل من يجعل المعبود متعددا، فليس رضا واحد كطلب رضا جماعة مختلفين. وحاصله يرجع إلى دليل التمانع كما مرّ في قوله لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا [الأنبياء: ٢٢] وقال أهل العرفان: الشركاء المتشاكسون تجاذب شغل الدنيا وشغل العيال وغير ذلك من الأشغال، فأين ذلك الرجل ممن ليس له في الدنيا نصيب ولا له في الخلق نسيب وهو عن الآخرة غريب وإلى الله قريب. قوله الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ كما مرّ في «لقمان» قوله إِنَّكَ مَيِّتٌ وجه النظم أنه سبحانه كأنه قال إن هؤلاء الأقوام إن لم يلتفتوا إلى هذه الدلائل القاهرة بسبب استيلاء الحرص والحسد عليهم في الدنيا، فلا تبال يا محمد بهذا فإنك ستموت وهم أيضا يؤلون إلى الموت فلو أنهم يتربصون بك الموت فإن الموت يعم الكل فلا معنى لشماتة المرء بعد وفاة صاحبه ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ تحتج عليهم بأنك قد بلغت وهم يعتذرون بما لا طائل تحته، وقد يخاصم الكفار بعضهم بعضا حتى يقال لهم لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ [ق: ٢٨] وقد يقع الاختصام بين أهل الملة في الدماء والمظالم التي بينهم والله أعلم.
تم الجزء الثالث والعشرون، وبه يتم المجلد الخامس من تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان للعلامة نظام الدين النيسابوري، ويليه المجلد السادس، وأوله: