اشْمَأَزَّتْ أي نفرت وانقبضت منه قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ سواء ذكر الله معهم أو لم يذكر إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ أي فاجأ وقت ذكر آلهتهم وقت استبشارهم. وفي الآية طباق ومقابلة لأن الاستبشار أن يمتلىء قلبه سرورا حتى يظهر أثره في بشرته، والاشمئزاز أن يمتلىء غما وغيظا حتى يظهر الانقباض في أديم وجهه وذلك لاحتباس الروح الحيواني في القلب. وقيل: معنى الآية أنه إذا قيل لا إله إلا الله وحده لا شريك له، نفروا لأن فيه نفيا لآلهتهم. وفي بعض التفاسير أن هذا إشارة إلى ما
روي أنه صلى الله عليه وسلم لما قرأ سورة النجم وسوس الشيطان إليه بقوله «تلك الغرانيق العلى وأن شفاعتهن لترتجى» فاستبشر المشركون وسجدوا.
ولما حكى عنهم هذا الجهل الغليظ والحمق الشديد وهو الاشمئزاز عن ذكر من ذكره رأس السعادات وعنوان الخيرات والاستبشار بذكر أخس الأشياء وهي الجمادات، أمر رسوله بهذا الدعاء اللَّهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وهو وصفه بالقدرة التامة عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ وهو نعته بالعلم الكامل. وإنما قدم وصفه بالقدرة على وصفه بالعلم لأن العلم بكونه قادرا متقدم على العلم بكونه عالما كما بين في أصول الدين وقد أشرنا إلى ذلك فيما سلف أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ يعني أن نفرتهم عن التوحيد وفرحهم بالشرك أمر معلوم الفساد ببديهة العقل فلا حيلة في إزالته إلا باستعانة القدير العليم.
عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفتتح صلاته بالليل فيقول: اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما أختلف فيه من الحق بإذنك إنك لتهدي إلى صراط مستقيم.
وعن الربيع بن خثيم. وكان قليل الكلام أنه أخبر بقتل الحسين عليه السلام وقالوا: الآن يتكلم، فما زاد على أن قال آه أوقد فعلوا وقرأ هذه الآية. وروي أنه قال على أثره: قتل من كان النبي صلى الله عليه وسلم. يجلسه في حجره ويضع فاه في فيه. ثم ذكر وعيدهم على ذلك المذهب الباطل بقوله وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا أي بالشرك وقد مر نظير الآية مرارا أوّلها في آل عمران وفيه قوله وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ نظير قوله في أهل الوعد فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ [السجدة: ١٧] وقيل: عملوا أعمالا حسبوها حسنات فإذا هي سيئات. يروى أن محمد بن المنكدر جزع عند موته فقيل له في ذلك فقال: أخشى آية من كتاب الله وتلاها، فأنا أخشى أن يبدو لي من الله ما لم يكن في حسباني. وعن سفيان الثوري أنه قرأها فقال: ويل لأهل الرياء. ثم صرح بما أبهم قائلا وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا و «ما» موصولة أو مصدرية أي ظهرت لهم سيئات أعمالهم التي اكتسبوها، أو سيئات كسبهم وذلك عند عرض الصحائف أو غير ذلك من المواقف. وجوّز أهل البيان أن يراد بالسيئات جزاء أفعالهم كقوله وَجَزاءُ