بالعذاب حكى عنهم أنهم بتقدير نزول العذاب ماذا يقولون؟ فذكر ثلاثة أنواع من الكلمات: الأوّل أن تقول والتقدير أنذرناكم العذاب المذكور كراهة أن تقول أو لئلا.
تقول. قال جار الله: إنما نكرت نفس لأن المراد بها بعض الأنفس وهي نفس الكافر، أو نوع من الأنفس متميزة بلجاج في الكفر شديد أو بعذاب عظيم. وجوز أن يكون التنكير لأجل التكثير كقوله «رب وفد أكرمته» . يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ أي قصرت. والتفريط إهمال ما ينبغي أن يقدّم فِي جَنْبِ اللَّهِ واعلم أن بعض أهل التجسيم يحكمون بورود هذا اللفظ على إثبات هذا العضو لله سبحانه ولا يدري أنه بعد التسليم لا معنى للتفريط فيه ما لم يصر إلى التأويل. والصحيح ما ذهب إليه علماء البيان أن هذا من باب الكناية، لأنك إذا أثبت الشيء في مكان الرجل وحيزه وجانبه وناحيته فقد أثبته كقوله:
إن السماحة والمروءة والندى ... في قبة ضربت على ابن الحشرج
وتقول: لمكانك فعلت كذا. أي لأجلك.
وفي الحديث «من الشرك الخفي أن يصلى الرجل لمكان الرجل»
«١» ولا بد من تقدير مضاف سواء ذكر الجنب أو لم يذكر، وللمفسرين فيه عبارات. قال ابن عباس: أي ضيعت من ثواب الله. وقال مقاتل: ضيعت من ذكر الله.
وقال مجاهد: في أمر الله. وقال الحسن: في طاعة الله. وعن سعيد بن جبير: في حق الله.
وقيل: في قرب الله من الجنة من قوله وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ [النساء: ٣٦] وقال ابن جبير: في جانب هدى الله لأن الطريق متشعب إلى الهدى والضلال فكل واحد جانب وجنب. والتحقيق في المسألة أن الذي يكون من لوازم الشيء ومن توابعه كأنه حدّ من حدوده وجانب من جوانبه، فلما حصلت المشابهة بين الجنب الذي هو العضو وبين ما يكون لازما للشيء وتابعا له، لا جرم حسن إطلاق لفظ الجنب في الآية على أحد هذه المضافات. قال الشاعر وهو سابق البربري:
أما لتقين الله في جنب عاشق ... له كبد حرّى عليك تقطع؟
ثم زاد في التحسر بقوله وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ أي المستهزئين بالقرآن والنبي والمؤمنين. «إن» مخففة، واللام فارقة، والواو تحتمل العطف والحال. قال قتادة. لم يكفه ما ضيع من أمر الله حتى سخر من المصدّقين. النوع الثاني من كلمات النفس المعذبة
(١) رواه ابن ماجه في كتاب الزهد باب ٢١. أحمد في مسنده (٣/ ٣٠) .