الكتاب الأصل الذي كان يعمل به السلف في باب المتشابهات في مواضع فتذكر. ولنرجع إلى الآية. قوله وَالْأَرْضُ قالوا: المراد بها الأرضون لوجهين: أحدهما قوله جَمِيعاً فإنه يجعله في معنى الجمع كقوله كُلُّ الطَّعامِ [آل عمران: ٩٣] وقوله وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ [ق: ١٠] والثاني قوله وَالسَّماواتُ ولقائل أن يقول: كل ما هو ذو أجزاء حسا أو حكما فإنه يصح تأكيده بالجميع. وعطف السموات على الأرض في القرآن كثير. نعم قيل: إن الموضع موضع تعظيم وتفخيم فهو مقتض للمبالغة وليس ببعيد. والقبضة بالفتح المرة من القبض يعني والأرضون جميعا مع عظمهن لا يبلغن إلا قبضة واحدة من قبضاته فهن ذوات قبضته. وعندي أن المراد منه تصرفه يوم القيامة فيها بتبديلها كقوله يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ [إبراهيم: ٤٨] وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ كقوله يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ [الأنبياء: ١٠٤] وقيل: معنى مطويات كونها مستولى عليها استيلاءك على الشيء المطوي عندك بيدك. وقيل: معنى مطويات كونها مستولى عليها بيمينه أي بقسمه لأنه تعالى حلف أن يطويها ويفنيها في الآخرة. وفي الآية إشارة إلى كمال استغنائه، وأنه إذا حاول تخريب الأرض والسموات وتبديلها. وذلك في يوم القيامة سهل عليه كل السهولة، ولذلك نزه نفسه عن الشركاء بقوله سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ ثم ذكر سائر أهوال القيامة وأحوالها بقوله وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ الظاهر أن نفخ الصور مرتان،
وبعضهم روى أنه ثلاث نفخات الأولى للفزع كما جاء في «النمل» ، والثانية للموت وهو معنى الصعق، والثالثة للإعادة.
والأظهر أن الفزع يتقدم الصعق فلا يلزم منه إثبات نفختين، وقد مر في «النمل» تفسير باقي الآية. قال جار الله: تقدير الكلام ونفخ في الصور نفخة واحدة ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى وإنما حذفت لدلالة أخرى عليها ولكونها معلومة بذكرها في غير مكان. ومعنى يَنْظُرُونَ يقلبون أبصارهم في الجهات نظر المبهوت إذا فاجاه خطب، أو ينظرون ماذا يفعل بهم. ويجوز أن يكون القيام بمعنى الوقوف والجهود تحيرا. ثم وصف أرض القيامة بقوله وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها الظاهر أن هذا نور تجليه سبحانه. وقد مر شرح هذا النور في تفسير قوله اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الآية: ٣٥] وفي غيره من المواضع. وقال علماء البيان: افتتح الآية بذكر العدل كما اختتم الآية بنفي الظلم. ويقال للملك العادل: أشرقت الآفاق بنور عدلك وأضاءت الدنيا بقسطك، وفي ضدّه أظلمت الدنيا بجوره. وأهل الظاهر من المفسرين لم يستبعدوا أن يخلق الله في ذلك اليوم للأرض نورا مخصوصا. وقيل: أراد أرض الجنة.
ثم إن أهل البيان أكدوا قولهم بأنه أتبعه قوله وَوُضِعَ الْكِتابُ إلى آخره. وكل