الكشاف. سؤال: ما فائدة قوله وَيُؤْمِنُونَ بِهِ ولا يخفى أن حملة العرش ومن حوله مؤمنون؟ أجاب في الكشاف بأن فائدته التنبيه على شرف الإيمان والترغيب فيه. وأيضا فيه تكذيب المجسمة فإن الأمر لو كان على زعمهم لكانت الملائكة يشاهدونه فلا يوصفون بالإيمان به لأنه لا يوصف بالإيمان إلا الغائب، فعلم أن إيمانهم كإيمان أهل الأرض والكل سواء في أن إيمانهم بطريق النظر والاستدلال. واستحسن هذا الكلام الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير حتى ترحم عليه وقال: لو لم يكن في كتابه إلا هذه النكتة لكفى به فخرا وشرفا. وأنا أقول: لا نسلم أن الإيمان لا يكون إلا بالغائب وإلا لم يكن الإيمان بالنبي وقت تحديه بالقرآن. وإن شئت فتأمل قوله تعالى الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ فلو لم يكن إيمان بالشهادة لم يكن لقوله بِالْغَيْبِ فائدة. على أنه يحتمل أن يشاهد الرب وينكر كونه إلها، ويمكن أن يكون محمول الشيء محجوبا عن ذلك الشيء فمن أين يلزم تكذيب المجسمة؟ وقال بعضهم في الجواب: أراد أنهم يسبحون تسبيح تلفظ لا تسبيح دلالة.
وزعم فخر الدين أن في الآية دلالة أخرى على إبطال قول أهل التجسيم إن الإله على العرش فإنه لو كان كما زعموا وحامل الشيء حامل لكل ما على ذلك الشيء لزم أن تكون الملائكة حاملين لإله العالم حافظين له، والحافظ أولى بالإلهية من المحفوظ. قلت: لا شك أن هذه مغالطة فإن جاز الحمل لأجل العظمة وإظهار الكبرياء على ما يزعم الخصم في المسألة كيف يلزم منه ذلك؟ وهل يزعم عاقل أن الحمار أشرف من الإنسان الراكب عليه من جهة الركوب عليه؟ وإنما ذكرت ما ذكرت لكونه واردا على كلام الإمامين مع وفور فضلهما وبعد غورهما، لا لأني مائل في المسألة على ما يزعم الخصم إلى غير معتقدهما. قال جار الله: وقد روعي التناسب في قوله وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا كأنه قيل: ويؤمنون ويستغفرون لمن في مثل حالهم، وفيه أنهم بعد التعظيم لأمر الله يقبلون على الشفقة على خلق الله ولا سيما المؤمنين لأن الإيمان جامع لا أجمع منه يجذب السماوي إلى الأرضي، والروحاني إلى العنصري. احتج كثير من العلماء بالآية على أفضلية الملك قالوا: لأنها تدل على أنه لا معصية للملائكة وإلا لزم بحكم «ابدأ بنفسك» أن يستغفروا أوّلا لأنفسهم قال الله تعالى وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ [محمد: ١٩] وقال نوح رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً [نوح: ٢٨] قلت: لا نزاع بالنسبة إليهم وإلى غير المعصومين من البشر وإنما النزاع بينهم وبين المعصومين فلا دليل في الآية، ولا يلزم من طلب الاستغفار لأحد. لو سلم أن قوله لِلَّذِينَ آمَنُوا عام أن يكون المستغفر له عاصيا على أنه قد خص الاستغفار في قوله