يعني العقوبات أو عذاب السيئات على حذف المضاف. واعترض بأنهم قالوا مرة وقهم عذاب الجحيم فيلزم التكرار. وأجيب بأن الأوّل دعاء للأصول وهذه لفروعهم وهم الأصناف الثلاثة، أو الأول مخصوص بعذاب النار وهذا شامل لعذاب الموقف وعذاب الحساب وعذاب السؤال، أو المراد بالسيئات العقائد الفاسدة والأعمال الضارة، وعلى هذا يكون يَوْمَئِذٍ في قوله وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ إشارة إلى الدنيا. وقوله فَقَدْ رَحِمْتَهُ يجوز أن يكون في الدنيا وفي الآخرة. قال في الكشاف: السيئات هى الصغائر والكبائر المتوب عنها، والوقاية منها التكفير أو قبول التوبة. ثم إنه تعالى عاد إلى شرح أحوال الكفرة المجالدين في آياته وأنهم سيعترفون يوم القيامة بما كانوا ينكرونه في الدنيا من البعث، وذلك إذا عاينوا النشأة وتذكروا النشأة الأولى فقال إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ أي يوم القيامة.
وفي الآية حذف وفيها تقديم وتأخير. أما الحذف فالتقدير لمقت الله أنفسكم أكبر من مقتكم أنفسكم، فاستغنى بذكرها مرة. وأما التقديم والتأخير فهو أن قوله إِذْ تُدْعَوْنَ منصوب بالمقت الأول. وفي المقت وجوه: الأول كان الله يمقت أنفسكم الأمارة بالسوء والكفر حين كان الأنبياء يدعونكم إلى الإيمان فتأبون، وذلك أشد من مقتكم أنفسكم اليوم في النار إذ أوقعتكم فيها باتباعكم هواهنّ وفيه توبيخ. ولا ريب أن سخط الله وبغضه الشديد لا نسبة له إلى سخط غيره ولهذا أوردهم النار. الثاني عن الحسن: لما رأوا أعمالهم الخبيثة مقتوا أنفسهم فنودوا بلسان خزنة جهنم لمقت الله وهو قريب من الأول.
الثالث قال محمد بن كعب: إذا خطبهم إبليس وهم في النار بقوله وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إلى قوله وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ [إبراهيم: ٢٢] وفي هذه الحالة مقتوا أنفسهم. فلعل المعنى. لمقت الله إياكم الآن أكبر من مقت بعضكم لبعض ومن لعنه إياه. وأما قول الكفرة في الجواب رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ أي إماتتين اثنتين وَأَحْيَيْتَنَا إحياءتين اثْنَتَيْنِ فللعلماء في تعيين كل من الاثنتين خلاف. أما في الكشاف فذهب إلى أن الإماتتين إحداهما خلقهم أوّلا أمواتا ثم نطفة ثم علقة إلخ كما في الآية الأخرى كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً [البقرة: ٢٨] ونسب هذا القول إلى ابن عباس ووجهه بأنه كقولك للحفار:
ضيق فم الركية ووسع أسفلها وليس ثم نقل من كبر إلى صغر أو بالعكس، وإنما أردت الإنشاء على هذه الصفة. والسبب في صحته أن كلا النعتين جائز على المصنوع الواحد وللصانع أن يختار أحدهما. قلت: ومما يؤيد قوله أنه بدأ بالإماتة وإلا كان الأظهر أن يبدأ بالإحياء. قال: والإماتة الثانية هي التي في الدنيا والإحياءة الأولى هي التي في الدنيا، والثانية هي التي بعد البعث. وأورد على هذا القول أنه يلزم أن لا تكون الإحياءة في القبر