للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تواريخ بني إسرائيل تدل على أن هامان لم يكن موجودا في زمان موسى وفرعون وإنما ولد بعدهما بزمان طويل، ولو كان مثل هذا الشخص موجودا في عصرهما لنقل لتوفرت الدواعي على نقله. والجواب أن الطعن بتاريخ اليهود المنقطع الوسط لكثرة زمان الفترة أولى من الطعن في القرآن المعجز المتواتر أولا ووسطا وآخرا.

ثم عاد سبحانه إلى حكاية قول المؤمن وأنه أجمل النصيحة أوّلا بقوله اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ ثم استأنف مفصلا قائلا إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ يتمتع به أياما قلائل ثم يترك عند الموت إن لم يزل نعيمها قبل ذلك وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ المنزل الذي يستقر فيه. ثم بين أنه كيف تحصل المجازاة في الآخرة وفيه إشارة إلى أن جانب الرحمة أرجح. ومعنى الرزق بغير حساب أنه لا نهاية لذلك الثواب، أو أنه يعطى بعد الجزاء شيئا زائدا على سبيل التفضل غير مندرج تحت الحساب. ثم صرح بأنهم يدعونه إلى النار وهو يدعوهم إلى الخلاص عنها وفسر هذه الجملة بقوله تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ الآية. ليعلم أن الشرك بالله أعظم موجبات النار والتوحيد ضدّه. وفي قوله ما لِي أَدْعُوكُمْ من غير أن يقول «ما لكم» مع أن الإنكار يتوجه في الحقيقة إلى دعائهم لا إلى المجموع ولا إلى دعائه سلوك لطريق الإنصاف. ووجه تخصيص العزيز الغفار بالمقام أنه غالب على من أشرك به غفور لمن تاب عن كفره. قوله لا جَرَمَ لا ردّ لكلامهم، وجرم بمعنى كسب أو وجب أو لا بد وقد سبق في «هود» و «النحل» . ومعنى لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ أنه لا يقدر في الدنيا على أن يدعو الناس إلى نفسه لأنه جماد، ولا في الآخرة لأنه إذا أنطقه الله فيها تبرأ من عابديه.

ويجوز أن يكون على حذف المضاف أي ليس له استجابة دعوة كقوله وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ [الرعد: ١٤] عن قتادة:

المسرفين هم المشركون. ومجاهد: السفاكون للدماء بغير حلها. وقيل: الذين غلب شرهم خيرهم. وقيل: الذين جاوزوا في المعصية حدّ الاعتدال كما بالدوام والإصرار وكيفا بالشناعة وخلع العذار فَسَتَذْكُرُونَ أي في الدنيا عند حلول العذاب أو في الآخرة عند دخول النار وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ قاله لأنهم توعدوه. وفيه وفي قوله فَوَقاهُ اللَّهُ دليل واضح على أنه أظهر الإيمان وقت هذه النصائح. قال مقاتل: لما تمم هذه الكلمات قصدوا قتله فهرب منهم إلى الجبل فطلبوه فلم يقدروا عليه. قوله وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ معناه أنه رجع وبال مكرهم عليهم فأغرقوا ثم أدخلوا نارا. ولا يلزم منه أن يكونوا قد هموا بإيصال مثل هذا السوء إليه، ولئن سلّم أن الجزاء يلزم فيه المماثلة لعل فرعون قد همّ

<<  <  ج: ص:  >  >>