أَسْوَأَ محذوف أي جزاء أسوأ الذي ولذلك أشار اليه بقوله ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللَّهِ وقوله النَّارُ بدل من الجزاء أو خبر مبتدأ مضمر. ودارُ الْخُلْدِ موضع المقام. قال الزجاج: هو كما يقول لك في هذه الدار دار السرور وأنت تعني الدار بعينها وقد وضع قوله بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ موضع أن لو قال بما كانوا يلغون إقامة للسبب مقام المسبب ثم حكى عنهم ما سيقولون في النار وهو قولهم رَبَّنا أَرِنَا أي أبصرنا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وذلك أن الشياطين ضربان: جني وإنسي، وقد ورد في القرآن كثيرا، وقيل: هما إبليس الذي سن الكفر، وقابيل الذي سن القتل. ومن قرأ بسكون الراء فلثقل الكسرة. وقد يقال: معناه إذ ذاك أعطناه. وحكوا عن الخليل أنك إذا قلت أرني ثوبك بالكسر فمعناه بصرنيه، وإذا قلت بالسكون فهو بمعنى الإعطاء ونظيره اشتهار الإيتاء في معنى الإعطاء وأصله الإحضار. نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا أي نطأهما إذلالا وإهانة لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ الأذلين وقيل: في الدرك الأسفل. وتأوله بعض حكماء الإسلام بأنهما الشهوة والغضب المشار إليهما في قوله أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ [البقرة: ٣٠] كأنهم سألوا توفيق أن يجعلوا القرينين تحت قدم النفس الناطقة.
وحين أطنب في الوعيد أردفه بالوعد على العادة المستمرة فقوله رَبُّنَا اللَّهُ إشارة إلى العلوم النظرية التي هذه المسألة رأسها وأصلها. وقوله ثُمَّ اسْتَقامُوا إشارة إلى الحكمة العملية وجملتها الاستقامة على الوسط دون الميل إلى أحد شقي الإفراط والتفريط كما سبق تقرير ذلك في تفسير قوله اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة: ٥] ومعنى «ثم» تراخي الاستقامة في الرتبة عن الإقرار، وفيه أن حصول العلوم النظرية بدون القسم العملي كشجرة بلا ثمرة. وقال أهل العرفان: قالوا ربنا الله يوم الميثاق في عالم الأرواح، ثم استقاموا على ذلك في عالم الأشباح. وعن أبي بكر الصديق: معناه لم يلتفتوا إلى إله غيره. تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ عند الموت أو عنده وفي القبر وفي القيامة. و «أن» مفسرة أو مخففة. ولقد فسرنا الخوف والحزن مرارا والإبشار لازم. قال الجوهري: يقال بشرته بمولود فأبشر إبشارا. وقوله أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا إشارة إلى رفع المضار في المآل وفي الحال. وقوله وَأَبْشِرُوا إخبار عن حصول المنافع. وقوله نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا
يقابل قوله وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فللملائكة تأثيرات في الأرواح بالإلهامات الحسنة والخواطر الشريفة كما للشياطين تأثيرات بإلقاء الوساوس والهواجس، وقد تقدم في أول الكتاب في تفسير الاستعاذة. وإذا كانت هذه الولاية ثابتة في الدنيا بحكم المناسبة النورية كانت بعد الموت أقوى وأظهر لزوال العلائق الجسمانية. وقيل: في الحياة الدنيا