للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ نفي المثلية عنه بطريق الالتزام وذلك أنه لو كان له مثل والله تعالى شيء لكان مثل مثله شيء وهو خلاف نص المخبر الصادق وهذا المحال إنما لزم من فرض وجود المثل له فوجود المثل محال وهو المطلوب، ولعل هذا التقرير مختص بنا. قال في الكشاف: إنه من باب الكناية كقولهم: مثلك لا يبخل. يعنون أنت لا تبخل. وكذا هاهنا يريد ليس كالله شيء. وجوز أن يكون تكرير حرف التشبيه للتأكيد. وقد يستدل بالآية على نفي الجسمية ولوازمها عنه تعالى لأن الأجسام متماثلة في حقيقة الجسمانية. قوله لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي له مفاتيح خزائنها وقد مر في الزمر والباقي واضح وقد سبق أيضا. وحين عظم وحيه إلى محمد صلى الله عليه وسلم بقوله كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ إلى آخره ذكر تفصيل ذلك فقال شَرَعَ لَكُمْ أي أوجب وبين لأجلكم مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وهو أقدم الأديان بعد الطوفان وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وهو ختمها وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى وهي الملل المعتبرة المتوسطة. ثم فسر المشروع الذي اشترك هؤلاء الأكابر من رسله فيه بقوله أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ الحنيفي ومحله نصب بدلا من مفعول شَرَعَ أو رفع على الاستئناف كأنه قيل: وما ذلك المشروع؟ فقيل: هو إقامة الدين. يعني إقامة أصوله من التوحيد والنبوة والمعاد ونحو ذلك دون الفروع التي تختلف بحسب الأوقات لقوله لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً [المائدة: ٤٨] وفي بناء الكلام على الغيبة ثم الالتفات إلى التكلم في أَوْحَيْنا والخطاب في إِلَيْكَ تفخيم شأن الرسول صلى الله عليه وسلم ثم حكى حسد أهل الشرك بقوله كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ أي شق وعظم عليهم ما تدعوهم إليه من الدين المبرأ من عبادة غير الله. ثم أجاب عن شبهتهم بأن الاجتباء والاصطفاء يتعلق بمشيئة الله لا بتمني كل واحد ولا بكثرة المال والجاه. يقال: اجتباه إليه أي اصطفاه لنفسه، والتركيب يدل على الجمع والضم، ويحتمل أن يراد يجتبي إلى الدين.

ثم أخبر عن وقت تفرق كلمة أهل الكتاب وعن سبب ذلك فقال وَما تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ ببعث محمد صلى الله عليه وسلم وصحة نبوته كقوله في آل عمران وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ [الآية: ١٩] وقيل: وما تفرق الأمم الذين تقدم ذكرهم إلا بعد العلم بصحة ما أمروا به. قال أهل البرهان: لما ذكر مبدأ كفرهم وهو قوله إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ حسن ذكر نهاية إمهالهم وهو قوله إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ليكون محدودا من الطرفين. وإنما ترك ذكر النهاية في السورة المتقدمة لعدم ذكر البداية وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ هم العرب ورثوا القرآن من بعد ما أورث أهل الكتابين كتابهم أوهم أهل الكتاب المعاصرون لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل: جاءهم أسباب العلم فلم ينظروا فيها

<<  <  ج: ص:  >  >>