للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الدين أم لهم آلهة. شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ أي لم يأمرهم به أو لم يعلمه كقوله أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ [يونس: ١٨] والأذن بالفتح العلم بالمسموعات وتحقيقه شرعوا ما ليس بشريعة إذ لو كان شريعة لعلمها الله وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ أي القضاء السابق بتأخير الجزاء لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ والضمير للمؤمنين والكافرين أو المشركين والشركاء تَرَى الظَّالِمِينَ في القيامة مُشْفِقِينَ خائفين مِمَّا كَسَبُوا من الجرائم وَهُوَ أي وبال ذلك واقِعٌ بِهِمْ واصل إليهم لا محالة وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ أي منتزهاتها. قالت الأشاعرة: فيه دليل على أن غيرها من الأماكن في الجنة لغير المذكورين وغيرهم ليس إلا الذي آمن ولم يعمل صالحا وهو الفاسق. ولقائل أن يقول: لم لا يجوز أن يكون إضافة الروضات إلى الجنات من إضافة العام إلى الخاص فيكون الجنات كلها روضات، ولكن الروضات قد لا تكون في الجنة لثبوتها في الدنيا. والفضل الكبير قد تقدم في «فاطر» . ذلِكَ المذكور أو الثواب أو التبشير هو الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ به عِبادَهُ ثم حذف الجار، ثم الراجع إلى الموصول، ثم أمر رسوله بأن يقول لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ على هذا التبليغ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ الكائنة فِي الْقُرْبى جعلوا مكانا للمودة ومقرا لها ولهذا لم يقل «مودة القربى» أو «المودة للقربى» وهي مصدر بمعنى القرابة أي في أهل القربى وفي حقهم. فإن قيل: استثناء المودة من الأجر دليل على أنه طلب الأجر على تبليغ الوحي وذلك غير جائز كما جاء في قصص سائر الأنبياء ولا سيما في «الشعراء» . وقد جاء في حق نبينا صلى الله عليه وسلم أيضا قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ [سبأ: ٤٧] وقُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ [ص: ٨٦] والمعقول منه أن التبليغ واجب عليه وطلب الأجر على أداء الواجب لا يليق بالمروءة.

وأيضا أنه يوجب التهمة ونقصان الحشمة. قلنا: إن من جعل الآية منسوخة باللتين لا استثناء فيهما فلا إشكال عليه، وأما الآخرون فمنهم من قال: الاستثناء متصل ولكنه من قبيل تأكيد المدح بما يشبه الذم كقوله:

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب

والمعنى لا أطلب منكم أجرا، إلا هذا وهو في الحقيقة ليس أجرا لأن حصول المودة بين المسلمين أمر واجب ولا سيما في حق الأقارب كما قال عز من قائل وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ [الرعد: ٢١] ومنهم من قال: الاستثناء منقطع أي لا أسألكم عليه أجرا البتة، ولكن أذكركم المودة في القربى، وفي تفسير الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى أربعة أقوال: الأول قال الشعبي: أكثر الناس علينا في هذه الآية فكتبنا إلى ابن عباس نسأله عن

<<  <  ج: ص:  >  >>