وقال:«إن الله يغفر لجميع المسلمين في تلك الليلة إلا لكاهن أو ساحر أو ساخر أو مدمن خمر أو عاق للوالدين أو مصر على الزنا»
ومما أعطى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم تمام الشفاعة وذلك أنه سأل ليلة الثالث عشر من شعبان في أمته فأعطى الثلث منها، ثم سأل ليلة الرابع عشر منها فأعطى الثلثين، ثم سأل ليلة الخامس عشر فأعطى الجميع إلا من شرد على الله شراد البعير. ومن عادة الله عز وجل في هذه الليلة أن يزيد فيها ماء زمزم زيادة ظاهرة. وبعضهم أراد أن يجمع بين القولين فقال: ابتدئ بانتساخ القرآن من اللوح المحفوظ ليلة البراءة ووقع الفراغ في ليلة القدر. والمباركة الكثيرة الخير ولو لم يوجد فيها إلا إنزال القرآن لكفى به بركة. ومعنى يُفْرَقُ يفصل ويكتب كُلُّ أَمْرٍ هو ضد النهي أو كل أمر له شأن من أرزاق العباد وآجالهم وجميع أمورهم إلى العام القابل، فيدفع نسخة الأرزاق إلى ميكائيل، ونسخة الحروب والزلازل والصواعق والخسوف إلى جبرائيل، ونسخة الأعمال إلى إسماعيل صاحب سماء الدنيا، ونسخة المصائب إلى ملك الموت. وقيل: يعطى كل عامل بركات أعماله فيلقى على ألسنة الخلق مدحه وعلى قلوبهم هيبته. وفي انتصاب أَمْراً وجوه: إما أن يكون حالا من أَمْرٍ حَكِيمٍ لأنه قريب من المعرفة أو من الهاء في أَنْزَلْناهُ أو من الفاعل أي آمرين، أو على المصدر لأمر، أو على الاختصاص لأن كونه من عند الله يوجبه مزيد شرف وفخامة، أو يكون مصدرا من غير لفظ الفعل وهو يُفْرَقُ لأنه إذا حكم بالشيء وفصله وكتبه فقد أوجبه وأمر به قوله إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ يجوز أن يكون بدلا من قوله تعالى إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ أي أنزلنا القرآن لأن من شأننا إرسال الرسل وإنزال الكتب إلى عبادنا لأجل الرحمة، ويحتمل كونه تعليلا ليفرق، أو لقوله أَمْراً مِنْ عِنْدِنا وقوله مِنْ رَبِّكَ وضع للظاهر موضع الضمير إيذانا بأن الربوبية تقتضي الرحمة. ثم حقق ربوبيته بقوله إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ إلى قوله الأولين. ومعنى الشرط في قوله إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ نظير ما هو في أول الشعراء وذلك أنهم كانوا مقرين بأنه رب السموات والأرض. قيل لهم: إن كنتم على بصيرة وإيقان من ذلك فلا تشكوا فيه، أو إن كنتم موقنين بشيء فأيقنوا بما أخبرتكم، أو إن كنتم تريدون اليقين فاعلموا ذلك. وقيل: إن نافية ثم رد أن يكونوا موقنين بقوله بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ في الدنيا أو يستهزؤن بنا فلا جرم أوعدهم بقوله فَارْتَقِبْ ويَوْمَ مفعول به أي انتظره. والأكثرون على أن هذا الدخان من أمارات القيامة فإن الدنيا ستصير كبيت لاخصاص له مملوء دخانا يدخل في أنوف الكفار وآذانهم فيكونون كالسكارى، ويصيب المؤمن فيه كالزكام فيبقى ذلك أربعين.